بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} أي: تفادونه بحكم التوراة، وتقتلونه وفي حكم التوراة أن لا يُقتَل، ولا يُخْرَج من داره، ولا يُظاهَر عليه من يشرك بالله، ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض الدنيا؟ ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج - فيما بلغني - نزلت هذه القصة).
وقال السُّدّي: (كانت قريظة حلفاء الأوس، وكانت النضير حلفاء الخزرج، فكانوا يَقْتَتِلون في حرب سُمَير، فيقاتل بنو قريظة مع حلفائهم النضير وحلفاءهم، وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها، ويغلبونهم، فيخربون ديارهم، ويخرجونهم منها، فإذا أُسِرَ رجلٌ من الفريقين كليهما، جمعوا له حتى يفدوه، فتعيَّرهم العرب بذلك، ويقولون: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا: إنا أُمِرْنا أن نفديهم، وحُرّم علينا قتالهم. قالوا: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحي أن تُسْتَذَل حلفاؤنا. فذلك حين عيّرهم الله تبارك وتعالى، فقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ الآية).
وقال أبو العالية: (كان في بني إسرائيل: إذا استضعفوا قومًا أخرجوهم من ديارهم. وقد أخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم، ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم).
وقوله: ﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
فالعدوان مِنَ التَعدِّي والظلم ومجاوزة الحد.
وأما ﴿تَظَاهَرُونَ﴾ فمعناها تتعاونون، مشتق من الظَّهر، لأن بعضهم يقوي بعضًا فيكون له كالظَّهر. والإثم: الفعل المستحق صاحبه للذم.
وقد قرأ أهل المدينة وأهل مكة ﴿تظَّاهرون﴾ بالتشديد، والأصل تتظاهرون.
في حين قرأ أهل الكوفة ﴿تظاهرون﴾ بالتخفيف. وكلاهما بمعنى واحد.
وقوله: ﴿وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾.
قال مجاهد: (يقول: إن وَجَدْتَه في يد غيرك فديته، وأنت تقتله بيدك). وكان قتادة يقول في قوله: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾: (فكان إخراجهم كفرًا، وفداؤهم إيمانًا).
وهذه الآية تدل على خيانة اليهود لميراثهم ونقضهم عهود التوراة عليهم، ومن ثمَّ


الصفحة التالية
Icon