بشدَّة وحرب وقتال، وإنه لنا عدوّ. فنزل: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ... ﴾ الآية).
الحديث الثالث: وقال البخاري: (قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ﴾، قال عكرمة: جَبْر، ومِيك، وسَرافِ: عبد. وإيل: الله (١). حدثنا عبد الله بن منير، سَمِعَ عبد الله بن بَكْر، حدثنا حُميدٌ، عن أنس بن مالك، قال: سَمعَ عبد الله بن سلام بمَقْدِم رسول الله - ﷺ - وهو في أرض يَخْتَرِفُ (٢). فأتى النبي - ﷺ - فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلا نبيٌّ: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجَنَّة؟ وما يَنْزِعُ الولدَ إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفًا. قال: جبريلُ؟ قال: نعم. قال: ذاك عدوُّ اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾. أما أول أشراط الساعة، فنارٌ تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أَوَّل طعام يأكلهُ أهل الجَنَّة، فزيادة كبد الحوت، وإذا سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأة، نزع الولدُ، وإذا سبق ماءُ المرأة ماء الرجل نزعتْ. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، يا رسول الله، إن اليهود قوم بُهُت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يَبْهَتُوني. فجاءت اليهود، فقال النبي - ﷺ -: أيّ رجل عبد الله بن سَلام فيكم؟ قالوا: خيرُنا وابن خيرنا، وسَيِّدُنا وابن سيدنا. قال: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام! فقالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. فقالوا: هو شرُّنا وابن شرِّنا. وانتقصوه. فقال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله] (٣).
ومفهوم الآية: انتصار من الله سبحانه للروح الأمين جبريل عليه السلام ضدّ يهود المكر والكفر، فإن من عادى جبريل - وهو الذي نزل بالذكر الحكيم على قلب رسول الله - ﷺ - فقد عادى جميع الملائكة، كما أن من عادى رسولًا فقد عادى جميع الرسل، فإن الإيمان بالملائكة يستلزم توقيرهم جَميعهم، كما أن الإيمان بالرسل يستلزم الإيمان بجميع الرسل.
وفي التنزيل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ
(٢) خَرْف الثمار: جناها.
(٣) حديث صحيح. انظر صحيح البخاري (٣٣٢٩)، ومسند أحمد (٣/ ١٠٨)، وروى مسلم نحوه.