ثم ذكر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: (كان آصف كاتب سليمان، وكان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان، ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين، فكتبوا بين كل سطرين سحرًا وكفرًا، وقالوا: هذا الذي كان سليمان يعمل به. قال: فأكفره جُهَّال الناس وسبّوه، ووقَفَ علماؤهم، فلم يزل جُهَّال الناس يسبُّونه حتى أنزل الله على محمد - ﷺ -: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾.
قال ابن جرير: (و ﴿عَلَى﴾ ههنا بمعنى "في" أي: تتلو في ملك سليمان).
ثم أورد ابن جرير بإسناد على شرط البخاري عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: (كان سليمان عليه السلام، إذا أراد أن يدخل الخلاء، أو يأتي شيئًا من نسائه، أعطى الجرادة - وهي امرأته - خاتمه. فلما أراد الله أن يبتلي سليمان - عليه السلام - بالذي ابتلاه به، أعطى الجرادة (١) ذات يوم خاتَمَهُ، فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها: هاتي خاتمي. فأخذه ولَبِسَهُ. فلما لَبِسَهُ دانت له الشياطين والجن والإنس. قال: فجاءها سليمان، فقال لها: هاتي خاتمي. فقالت: كذبتَ، لست سليمان. قال: فعرف سليمان أنه بلاء ابتلي به. قال: فانطلقت الشياطين، فكتبتْ في تلك الأيام كتبًا فيها سِحْرٌ وكفر، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أخرجوها فقرؤوها على الناس، وقالوا: إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب. قال: فبرئ الناس من سليمان عليه السلام وكفروه، حتى بعث الله محمدًا - ﷺ - فأنزل عليه: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾).
وقوله: ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾.
قال السدي: (على عهد سليمان). والمقصود: أنَّ اليهود بعد إعراضهم عن التوراة وكفرهم بالقرآن اتبعوا أخبار الشياطين التي كانت تحدث بها من عهد سليمان.
وقوله: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾.
قال السدي: (كانت الشياطين تصعد إلى السماء، فتقعد منها مقاعد للسمع، فيستمعون من كلام الملائكة ما يكون في الأرض من موت أو غيب أو أمر، فيأتون الكهنة فيخبرونهم. فتحَدِّثُ الكهنةُ الناس فيجدونه كما قالوا. حتى إذا أَمِنتَهم الكهنة