وفي التنزيل: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ يعني: السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن وينفثن في عقدهن. ولو لم يكن للسحر حقيقة لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه. وقد حرّم الله السحر في كل الأديان، قال تعالى: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: ٦٩].
وقد نص أصحاب أحمد أنه يكفر بتعلمه وتعليمه. وذهب إلى كفر الساحر مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله.
وقال الشافعي: (إذا تعلم السحر قلنا له: صف لنا سحرك، فإن وصف ما يوجب الكفر، مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته كفر).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾.
وذلك أن اليهود كانوا يزعمون أن السحر نزل به جبريل وميكائيل فأكذبهم الله، فيكون تأويل الآية: وما كفر سليمان، ولا أنزل الله السحر على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل، يعلمهم ذلك رجلان: اسم أحدهما هاروت واسم الآخر ماروت. فتكون (ما) نافية. قال عطية: (ما أنزل الله على جبريل وميكائيل السحر).
قال مجاهد: (كانت الشياطين تسمع الوحي، فما سمعوا من كلمة زادوا فيها مئتين مثلها. فأرسل سليمان إلى ما كتبوا من ذلك فجمعه. فلما توفي سليمان وجدته الشياطيق فعلمته الناس وهو السحر).
أخرج البخاري في صحيحه من حديث عكرمة قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: [إن نبي الله - ﷺ - قال: إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كانه سلسلة على صفوان (١)، فإذا فزِّعَ عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - ونشر سفيان أحد رواة الحديث بيده فحرفها ونشر بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن

(١) أي: تجر على حجر أملس.


الصفحة التالية
Icon