(من قِوام). قلت: فدل هذا على تحريم السحر في كل الأديان التي نزلت على الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. قال تعالى: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: ٦٩].
وفي صحيح البخاري عن بَجالة بن عَبَدة قال: (كتب عمر بن الخطّاب أن اقتلوا كلَّ ساحر وساحرة) (١). قال: (فقتلنا ثلاث سواحر) (٢).
والمشهور عن أحمد أنَّه يقتل دون استتابة، وهو قول مالك، لأنَّ علم السحر لا يزول بالتوبة. وفي رواية عن أحمد أنَّه يستتاب فإن تاب قبلت توبته وهو قول الشافعي، قالوا: لأنَّ ذنبه لا يزيد عن الشرك، والشرك تقبل توبة صاحبه، ولذلك صح إيمان سحرة فرعون وتوبتهم.
وقوله: ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٠٢].
قال ابن جرير: (ولبئس ما باع به نفسه من تعلم السحر، لو كان يعلم سوء عاقبته).
ثمَّ ذكر قول السدي: (يقول: بئس ما باعوا به أنفسهم).
وقال ابن كثير: (يقول تعالى: ﴿وَلَبِئْسَ﴾ البديل ما استبدلوا به من السحر عوضًا عن الإيمان ومتابعة الرسول لو كان لهم علمٌ بما وُعظوا به).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٠٣].
المعنى: لو أنهم صدقوا الله الإيمان والتقوى، فعظموا أوامره واجتنبوا نواهيه، لكان مثوبة الله على ذلك خيرًا لهم مما رضوا لأنفسهم من السقوط في معصيته، نحو قوله سبحانه في سورة القصص: ﴿وَقَال الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ [القصص: ٨٠].
وعن قتادة: (قوله: ﴿لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ يقول: ثوابٌ من عند الله).
وقال السدي: (أما "المثوبة" فهو الثواب). وقال الربيع: (يقول: لثَواب من عند الله).

(١) حديث صحيح. انظر صحيح البخاري (٦/ ١٨٤)، (٦/ ١٨٥) - في فرض الخمس، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب. وانظر مسند أحمد (١/ ١٩٠).
(٢) لم يذكرها البخاري. وانظر سنن الترمذي (١٥٨٦)، ومسند أحمد (١/ ١٩٠ - ١٩١)، و"الأموال" - لأبي عبيد القاسم بن سلام (ص ٤٠)، وسنن أبي داود (٣٠٤٣).


الصفحة التالية
Icon