وقال في موضع آخر: والنقل يعني القرآن والحديث وأقوال الصحابة والتابعين. قال: ولا فيهم (أي في سلف الأمة وعلمائها) من يقول: إن لهُ ذوقًا أو وجدًا أو مخاطبة أو مكاشفة تخالف القرآن والحديث، فضلًا عن أن يدعي أحدهم أنه يأخذ من حيث يأخذ الملك الذي يأتي الرسول، وأنهُ يأخذ من ذلكَ المعدن علم التوحيد، والأنبياء كلهم يأخذون عن مشكاته) الفتاوى- مقدمة التفسير (٢٩).
ثالثًا: تفسير النص بأسباب النزول: فقوله سبحانه وتعالى في سورة يس: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ مفسّر بما روى الترمذي وابن ماجة بإسناد جيد عن ابن عباس رضي اللهُ عَنْهُ قال: [كانت الأنصار بعيدةً منازلهم من المسجد، فأرادوا أن يقتربوا، فنزلت: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ فثبتوا] (١).
وقوله سبحانه في سورة البقرة: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾، مفسّر بما أخرج الإمام أحمد في المسند عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال: [جاء إلى رسول الله - ﷺ - وقال: كيف تأمرني يا رسول الله في عمرتي؟ فأنزل الله عز وجل: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾، فقال رسول الله - ﷺ -: من السائل عن العمرة؟ فقال: أنا، فقال ألق ثيابك واغتسل واستنشق ما استطعت وما كنتَ صانعًا في حجتك فاصنع في عمرتك] (٢).
وقوله جل ثناؤه في سورة البقرة: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ مفسّر بما روى الإمام البخاري في صحيحه أسباب النزول لهذه الآية عن كعب بن عُجْرة قال: [وقفت على رسول الله - ﷺ - بالحديبية ورأسي يتهافت قمْلًا. فقال: يؤذيك هوامُّكَ (٣). قلت: نعم. قال: فاحلق رأسكَ قال: فيّ نزلت هذه الآية: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ إلى آخرها، فقال النبي - ﷺ - كما في رواية: ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا، أما تجد شاة؟ قلت: لا.
(٢) حديث صحيح. انظر مسند أحمد (٤/ ٢٢٤)، والمرجع السابق (سورة البقرة آية ١٩٦). وأصل معناه في صحيح البخاري (١٧٨٩)، وفي صحيح مسلم (١١٨٠)، وسنن الترمذي (٨٣٦).
(٣) أي القمل.