قال الفراء: ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ في اتفاقهم على الكفر). وقيل: (في التعنيت والاقتراح وترك الإيمان) ذكره القرطبي. وقال ابن كثير: (أي أشْبَهَتْ قلوب مشركي العرب قلوب من تقدمهم في الكفر والعناد والعتو، كما قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الذاريات: ٥٢ - ٥٣].
وقوله: ﴿قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾. أي: يتعظون بأخبار من سبقهم فيؤمنون بالله ورسله بصدق ويقين لئلا ينزل بهم ما نزل بالمكذبين والمعاندين.
١١٩. قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾.
في هذه الآية: إعلام الله تعالى نبيّه - ﷺ - أنَّه مرسل بالحق بالبشارة والنذارة، وإنما الهداية بيد الله، ولا عليك شأن المتكبرين والمعاندين.
أخرج البخاري في صحيحه، وأحمد في مسنده، عن عطاء بن يسار، قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله - ﷺ - في التوراة. فقال: [أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٥]، وحِرْزًا للأميّين، أنت عبدي ورسولي، سَمَّيْتُك المتوكل، ليس بفَظّ ولا غليظٍ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يَدْفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيمَ به المِلَّةَ العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويُفْتَحُ بها أعينٌ عُمْيٌ، وآذانٌ صُمٌّ، وقلوب غُلْف] (١).
وفي لفظ: (فيفتح به أعينًا عُمْيا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غُلْفًا).
وقوله: ﴿وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾.
أي: إنما عليك البلاغ والإنذار، ولست مسؤولًا عمن كفر وعن مصير من كفر.
وقرأ بعض أهل المدينة: ﴿وَلَا تُسْأَلُ﴾ جزمًا، في حين قرأها أُبيّ بن كعب: "وما

(١) حديث صحيح. انظر صحيح البخاري -حديث رقم- (٢١٢٥) كتاب البيوع، و (٤٨٣٨) كتاب التفسير، ورواه أحمد في المسند (٢/ ١٧٤).


الصفحة التالية
Icon