مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه وفيه نزلت ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾] (١).
وإذا مررت بقول الله سبحانه في سورة الطور: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ قرَأْتَ في تفسير الإمام الطبري بسند صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: [إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونهُ في العمل لتقرّ بهم عينه، ثم قرأ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾. قال: هم ذرية المؤمن يموتون على الإيمان، فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوها شيئًا] (٢).
قلت: ويعضده ويقويه ما روى الإمام أحمد في المسند والبيهقي بسند صحيح عن أبي هريرة رضي اللهُ عَنْه قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إن الرجل لترفع درجته في الجنة، قيقول: أنّى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك] (٣).
قال شيخ الإسلام في مقدمة التفسير (الفتاوى: ١٣/ ٣٣٢): (ومن المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه، فالقرآن أولى بذلك، وأيضًا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابًا في فن من العلم، كالطب والحساب، ولا يستشرحوه، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم، وقيام دينهم ودنياهم؟ ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلًا جدًّا، وهو وإن كان في التابعين أكثر منهُ في الصحابة فهو قليل بالنسبة إلى من بعدهم، وكلما كان العصر أشرف كان الاجتماع والائتلاف والعلم والبيان فيهِ أكثر، ومن التابعين من تَلَقَّى جميع التفسير عن الصحابة، كما قال مجاهد: عرضت المصحّف على ابن عباس أوقفهُ عند كل آية منه وأسأله عنها، ولهذا قال الثوري: إذا جاءكَ التفسير عن مجاهد فحسبك به، ولهذا يعتمد على تفسيره
(٢) حديث صحيح. أخرجهُ ابن جرير (٢٧/ ١٥)، والبزار (ص ٢٢١). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة- حديث رقم- (٢٤٩٠).
(٣) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٥٠٩)، وابن ماجة في السنن (٣٦٦٠)، وإسناده صحيح. ورواه البيهقي كذلك بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر صحيح الجامع (١٦١٣)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (١٥٩٨).