وفي صحيح مسلم عن جابر قال: سمعت النبي - ﷺ - يقول: [لا يحلُّ لأحَدِكُمْ أن يحمِلَ بمكةَ السلاح] (١).
وقوله: ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾.
قال القاسمي في التفسير: (إنما سأل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذلك، لأنَّ مكة لم يكن بها زرع ولا ثمر، فاستجاب الله تعالى له، فصارت يُجْبى إليها ثمرات كل شيء ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ بدل من ﴿أَهلَهُ﴾ وبدل البعض، يعني: ارزق المؤمنين من أهله خاصة. وإنما خصّهم بالدعاء إظهارًا لشرف الإيمان، واهتمامًا بشأن أهله، ومراعاة لحسن الأدب في المسألة. حيث ميّز الله تعالى المؤمنين عن الكافرين، في باب الإمامة، في قوله: ﴿لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾).
وقوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا﴾.
اختلف فيه أهل التفسير من قائله:
القول الأوّل: هو قول ربنا تعالى ذكره. والتأويل: من كفَرَ فأمتعه قليلًا برزقي من الثمرات في الدنيا، إلى أن يأتيه أجله. وقرأها أصحاب هذا القول: ﴿فَأُمَتِّعُهُ﴾.
فعن أبي بن كعب في قوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ﴾، قال: (هو قول الرب تعالى ذكره). وقال ابن إسحاق فيه: (وعَدَلَ الدَّعْوة (٢) عمن أبى الله أن يجعل له الولاية، انقطاعًا إلى الله ومحبة، وفراقًا لمن خالف أمره، وإن كانوا من ذريته، حين عرف أنَّه كائن منهم ظالمٌ لا ينال عهده، بخبره عن ذلك حين أخبره قال الله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ - فإني أرزق البرّ والفاجر - ﴿فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا﴾).
القول الثاني: بل هو قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام. قيل هو على وجه المسألة منه ربّه أن يرزق الكافر أيضًا من الثمرات بالبلد الحرام كما يرزق المؤمن ويُمتعه قليلًا.
وقرأها هؤلاء ﴿فَأُمَتِّعُهُ﴾ وكذلك ﴿ثُمَّ اضْطَرَّهُ﴾ على وجه الدعاء من إبراهيم لهم والمسألة. حكاه الطبري.

(١) حديث صحيح. انظر صحيح مسلم -حديث رقم- (١٣٥٦)، كتاب الحج، باب النهي عن حمل السلاح بمكة، من غير حاجة.
(٢) يعني إبراهيم عليه الصلاة والسلام.


الصفحة التالية
Icon