لا نُشْرك معك في الطاعة أحدًا سواك، ولا في العبادة غيرك).
وقيل: ﴿مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ يعني: مخلصين لك. ذكره ابن أبي حاتم عن معقل بن عبيد الله، عن عبد الكريم. وذكر عن سلام بن أبي مطيع قوله فيها: (كانا مسلمين، ولكنهما سألاه الثبات).
وقال السدي: (﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ يعنيان: العرب) واستبعده شيخ المفسرين الإمام ابن جرير وقال: (والصَّواب أن يعمَّ العرب وغيرهم، لأن من ذرية إبراهيم بني إسرائيل). واختار الحافظ ابن كثير أن تخصيص العرب كما ذكر السدي لا ينفي من عداهم، والسياق إنما هو في العرب. ولهذا قال بعده: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ والمراد بذلك محمد - ﷺ - وقد بعث فيهم كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾. ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود، لقوله تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾.
قال القرطبي رحمه الله: (﴿وَمِنْ﴾ في قوله: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا﴾ للتبعيض، لأن الله تعالى قد كان أعلمه أن منهم ظالمين).
والأمة هنا الجماعة من الناس. قال القاسمي: (وإنما خصّا الذرية بالدعاء، لأنهم أحق بالشفقة، ولأنهم إذا صلحوا صلح بهم الأتباع).
وقوله: ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾.
أي: أظهرها لأعيننا حتى نراها. وفيه أكثر من تأويل.
التأويل الأول: هي مناسك الحج ومعالمه.
فعن قتادة: (﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ قال: فأراهما الله مناسكهما: الطَّوافَ بالبيت، والسعيَ بين الصفا والمروة، والإفاضة من عرفات، والإفاضة من جَمعٍ، ورَميَ الجمار، حتى أكمل الله الدين- أو: دينه). وقال: (أرنا نُسكنا وحجنا).
وروى أبو داود الطيالسي عن ابن عباس قال: (إن إبراهيم لما أريَ أوامر المناسك، عرضَ له الشيطان عند المسعى، فسابقه فسبقه إبراهيم، ثم انطلق به جبريل حتى أتى به مِنى، فقال: هذا مُنَاخ الناس. فلما انتهى إلى جمرة العقبة تعرّض له الشيطان، فرماه بسبع حَصَيات حتى ذهب، ثم أتى به الجمرة الوسطى، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حَصَيات حتى ذهب، ثم أتى به إلى الجمرة القصوى، فعَرَض له الشيطان، فرماه


الصفحة التالية
Icon