حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)}.
في هذه الآيات: تأكيد جديد لأمر تحويل القبلة ليغيظ أكثر من استكبر عن طاعة الله من أهل الكتاب، وليعلن نسخ القبلة إلى يوم القيامة.
قال القرطبي: (قيل: هذا تأكيد للأمر باستقبال الكعبة واهتمام بها، لأن موقع التحويل كان صعبًا في نفوسهم جدًّا، فأكّد الأمر ليرى الناس الاهتمام به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه. وقيل أراد بالأول: وَلِّ وجهك شطر الكعبة، أي عاينها إذا صلّيت تلقاءها. ثم قال: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ﴾ معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾. ثم قال: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ يعني: وجوب الاستقبال في الأسفار، فكان هذا أمرًا بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواضع من نواحي الأرض).
فخلاصة ما ذكر القرطبي في الآية: أن الأول لمن هو بمكة، والثَّاني لمن هو في بقية الأمصار، والثالث لمن خرج في الأسفار. ورجحه القرطبي.
في حين وجّه المعنى فخر الدين الرازي إلى أن الأمر الأول لمن هو مشاهد الكعبة، والثَّاني لمن هو في مكة غائب عنها، والثالث لمن هو في بقية البلدان.
قال ابن جرير: (﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾: ومن أي موضع خَرَجْت إلى أي موضع وجَّهت، فولّ يا محمد وجهك -يقول: حوِّل وجهك. قال: ﴿وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾: وإن التوجه شطرَه للحق الذي لا شك فيه من عند ربك، فحافظوا عليه، وأطيعوا الله في توجهكم قِبَله). وأما قوله: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ فالمعنى: ليس الله بساهٍ عن أعمالكم ولا يغفل عنها، بل هو محصيها لكم، حتى يوافيكم بها يوم القيامة.
وقوله: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾.
يعني: من أي بقعة شخصت ومن أي مكان خرجت فقبلة صلاتك إلى البيت العتيق.
وكذلك أنتم أيها المؤمنون: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾.
وقوله: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾.
التأويل: لئلا يحتج عليكم أحد في التولي إلى غيره. فإن اليهود يقولون: يجحد