وقوله: ﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.
يعني: السائر بين السماء والأرض إلى حيث يشاء الله ويأمر من الأراضي والأماكن. وسُمي السحاب سحابًا لانسحابه في الهواء. والسحاب جمع سحابة. وفي التنزيل: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ... ﴾ [فاطر: ٩]. وقال: ﴿حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ٥٧].
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - ﷺ - قال: [بَيْنا رجُلٌ بفلاةٍ من الأرض، فسَمع صوتًا في سَحَابة: اسْقِ حديقة فلان. فتنحّى ذلك السَّحَابُ، فأفرَغ ماءَه في حَرّة، فإذا شَرْجَةٌ من تلك الشِّراج قد استوعبتْ ذلك الماءَ كلَّه، فتتبَّعَ الماءَ، فإذا رجل قائم في حديقته يُحَوِّلُ الماء بِمِسْحاتِه، فقال له: يا عبدَ الله! ما اسمُكَ؟ قال: فلانٌ، للاسم الذي سَمعَ في السَّحابة، فقال له: يا عبدَ الله! لم سَأَلْتني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتًا في السَّحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسْقِ حديقة فلان، لاسمك، فما تصنَعُ فيها؟ قال: أمّا إذْ قُلْتَ هذا، فإني أنْظُرُ إلى ما يخرج مِنْها، فأتَصَدَّقُ بِثُلثه، وآكُلُ أنا وعِيالي ثلُثًا، وأَرْدُّ فيها ثُلُثَه] (١).
وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: [كان رسول الله - ﷺ - إذا رأى مَخيلَةً في السماء أَقْبل وأدْبر، ودخل وخرج، وتَغَيَّرَ وجهه، فإذا أمطرت السماء سُرِّيَ عَنْه، فَعَرَّفَتْهُ عائشةُ ذلك، فقال النبي - ﷺ -: ما أدري لعلَّه كما قال قَوْمٌ: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ الآية" (٢).
قلت: ومن السنة إذا هاجت الريح أن يسأل المسلم الله تعالى من خيرها ويستعيذ من شرها. وفي ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج أبو داود وابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [الريحُ من رَوْحِ الله (قال سلمة: فرَوْحُ الله) تأتي بالرحمة، وتأتي

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٩٨٤) كتاب الزهد. باب فضل الإنفاق على المساكين وابن السبيل.
(٢) حديث صحيح. انظر صحيح البخاري -حديث رقم- (٣٢٠٦) كتاب بدء الخلق. و (٤٨٢٩) كتاب التفسير. ورواه مسلم في الصحيح -حديث رقم- (٨٩٩).


الصفحة التالية
Icon