" ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾. قالت: كانوا يفيضون من جمع فدفعوا إلى عرفات] (١).
ورواه البخاري عنها بلفظ: [كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يُسَمَّون الحُمْسَ، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه - ﷺ - أن يأتي عرفات، ثم يقف بها، ثم يُفيض منها، فذلك قوله: ﴿مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾].
والحمس: من التحميس، وهو التشديد، والمراد تلك القبائل المتنطعة في دينها.
وقيل المراد بالإفاضة هنا الإفاضة من المزدلفة إلى منى لرمي الجمار، والمراد بالناس كما قال الضحاك: (إبراهيم عليه السلام). وقيل: الإمام. وقال عطاء: (من حيث تُفيض جماعة الناس).
قلت: والراجح أن ﴿ثُمَّ﴾ ليست في هذه الآية للترتيب وإنما هي لعطف جملة كلام هي منها منقطعة -كما ذكر القرطبي-، ومن ثم فإن الخطاب لقريش كما ثبت في الصحيح أنهم كانوا يقفون بجمع ويفيضون منه ويقف الناس بعرفة، فقيل لهم: أفيضوا مع جملة الناس واتركوا هذا التكبر والتنطع.
وقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩)﴾.
قال ابن جرير: (يعني بذلك جل ثناؤه: فإذا أفضتم من عرفاتٍ منصرفين إلى منى، فاذكروا الله عند المشعر الحرام، وادعوه واعبدوه عنده، كما ذكركم بهدايته فوفقكم لما ارتضى لخليله إبراهيم، فهداه له من شريعة دينه، بعد أن كنتم ضلالًا عنه).
٢٠٠ - ٢٠٢. قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا