إلى من حقق العبودية لله وكان ممن يستعين بالله بصدق على كبح وساوس النفس والشيطان، لئلا يفسد تفلتها عليه حياته ودينه.
وكان شيخ الإسلام يقول: (تأملت أنفع الدعاء: فإذا هو سؤال العون على مرضاته.
ثم رأيته في الفاتحة في ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
والنون في ﴿نَعْبُدُ﴾ تخبر عن جِنْسِ العباد، والمصلي واحد منهم. وقيل: للتعظيم، لأن العبد داخل العبادة شرفه عظيم وجاهه عريض.
وقوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾. هذه هي هداية التوفيق والإلهام.
وقد فسر الآية ابن عباس بقوله: (ذلكَ الإسلام). وفسَّرها مجاهد فقال: (هو الحق). وفسرها أبو العالية فقال: (هو النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحباه من بعده).
وقد كرر سؤال الهداية مع أن قائلًا قد يقول هي حاصلة! والتحقيق في ذلك أن العبد بحاجة إلى الثبات والاستمرار على الحق في كل لحظة من لحظات عمره، ولو حصل له غفلة لَهَمَّ بهِ الشيطان لِينتهزَ فرصة ليفسدَ عليه يقينه وهدايته، فلولا احتياجهُ إلى سؤال الهداية ليلًا ونَهارًا لما أرشدهُ إليها سبحانه. وهذا المعنى متضمن في سؤال المؤمنين ربهم: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: ٨]. وبقوله في سورة النساء: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ... ﴾.
وقوله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾، صراطَ بدل. قال ابن عباس: (صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من ملائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين، وذلكَ نظير قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾).
وقوله: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّين﴾. قال الحافظ ابن كثير: (وذو الحال الضمير في عليهم، والعامل أنْعمت، والمعنئ: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمتَ عليهم ممن تقدم وصفهم ونعتهم وهم أهل الهداية والاستقامة.. غير صراط المغضوب عليهم وهم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه، ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق، ثم قال: وأكَّد الكلام بلا، ليدل على أن ثمَّ مَسْلكين فاسدين، وهما طريقة اليهود والنصارى، ليجتَنبَ كل واحد منهما، فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على