والخلاصة كما أفاد شيخ الإسلام رحمه الله: (إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها).
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢)﴾.- ثناء على القرآن.
أما قوله: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ قال ابن عباس: (أي هذا الكتاب). وقال الحافظ ابن كثير: (والكتاب القرآن، ومن قال التوراة أو الإنجيل فقد أبعد النجعة).
وقوله: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ أي لا شك في هذا القرآن، ولا شك في أنه نزل من عند الله.
ومن المفسرين من وقف على قوله ﴿لَا رَيْبَ﴾ ثم بدأ بـ ﴿فِيهِ هُدًى﴾، ومنهم من وقف على ﴿فِيهِ﴾ وهو أولى، لأنه يصير قوله تعالى ﴿هُدًى﴾ وصف للقرآن كله، وهذا أبلغ من كونه فيه هدى. فإن ﴿هُدًى﴾ إما في محل رفع مبتدأ، أو خبر مبتدأ محذوف، أو في محل نصب حال. ومعنى ﴿هُدًى﴾ أي خير ونور.
وقوله: ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾. قال ابن عباس: (هم المؤمنون الذين يتقون الشرك بي ويعملون بطاعتي). أي لا يعظمون أحدًا إلا الله، ولا يصرفون مشاعر الخوف وكمال المحبة والرجاء إلا إليه سبحانه، فيفردونه بالألوهية والحاكمية وينزهونه في صفات الجمال والكمال التي تليق به جل ثناؤه.
وأصل التقوى من التوقي مما يكره. روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى: (فقال له: أما سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال: بلى. قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت. قال: فذلك التقوى). وقد أنشد ابن المعتز بهذا المعنى فقال:
خل الذنوب صغيرها... وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أر... ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة... إن الجبال من الحصى
وهذا الثناء من الله سبحانه بقوله ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ يكون اختصاصًا بهم دون غيرهم كما قال جل ثناؤه: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤].