والخوف والجزع والهلع. ثم لما حصل التصافُّ والتقى الفريقان، قلّلَ الله هؤلاء في أعين هؤلاء، وهؤلاء في أعين هؤلاء، لِيُقْدِمَ كل منهما على الآخر ﴿لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾ أي: ليفرّق بين الحق والباطل، فيظهر كلمة الإيمان على الكفر والطغيان، ويعز المؤمنين ويذل الكافرين، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: ١٢٣]. وقال هاهنا: ﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ أي: إن في ذلك لمعتبرًا لمن له بصيرة وفهم يهتدي به إلى حكمة الله وأفعاله، وقَدَره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد (١).
١٤ - ١٥. قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥)﴾
في هذه الآيات: أخبر سبحانه عن أنواع الملاذ التي جعلها في هذه الحياة الدنيا نعمة وفتنة لبني آدم، من النساء والولد والمال والخيل والأنعام والأرض، فإن استمتع بها في طاعة الله ووجهها لإعلاء كلمته كان ذلك سعادة له في الدارين، وما عند الله خير وأبقى.
فبدأ بالنساء، لأنهن أشد فتنة على الرجال من سائر الملذات الأخرى. وقد جاءت السنة الصحيحة بهذا المعنى، في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله - ﷺ -: [ما تَرَكْتُ بعدي فتنة، هي أضَرُّ، على الرجال، من النساء] (٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح -حديث رقم- (٢٧٤٠)، كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء.