المسلمين هو بمثابة إجهاز عليهم وقتل لوجودهم ومصدر إعدام لقوة شوكتهم وكيانهم في الأرض، فإن انتشار الفواحش موت للأمة.
أخرج الطبراني بسند حسن عن ابن عباس، عن النبي - ﷺ - قال: [خمس بخمس: ما نقض قومٌ العهدَ إلا سُلِّطَ عليهم عدوهه، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا المكيال إلا مُنعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حُبِسَ عنهم القطر] (١)
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾. أي: في ما أمركم به، ونهاكم عنه، فإنه ما شرع أمرًا إلا رحمة بكم، ولم يقض قضاء إلا كان خيرًا لكم.
أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند بسند صحيح، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: [عجبت للمؤمن، إن الله تعالى لم يقض له قضاء إلا كان خيرًا له] (٢). وفي لفظ: [عجبًا للمؤمن لا يقضي الله له شيئًا إلا كان خيرًا له].
وقد ورد ذكر هذه الآية على لسان عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل حين تيمّم وصلى بأصحابه - من شدهّ البرد - فأقرّ النبي - ﷺ - فهمه لها.
فقد أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن عبد الرحمن بن جُبَير، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال لما بعثه النبي - ﷺ -، عام ذات السلاسل قال: [احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أَنْ أهْلِكَ، فتيمّمت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح. قال: فلما قَدِمنا على رسول الله - ﷺ -، ذكروا ذلك له، فقال: يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جُنُبٌ. قال: قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلِكَ، فذكرت قول الله عز وجل: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾، فتيمّمتُ ثم صَلّيت. فضحك رسول الله - ﷺ - ولم يقل شيئًا] (٣).
ولا شك أن الآية تتناول أيضًا من قتل نفسه بحديدة أو سمٍّ أو أية وسيلة أخرى أراد بها إزهاق روحه ومعاجلة نفسه.
(٢) حديث صحيح. رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه (٥/ ٢٤). وانظر مسند أبي يعلى (٢٠٠/ ٢)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة -حديث رقم- (١٤٨).
(٣) حديث حسن. أخرجه أحمد (٤/ ٢٠٣)، وأبو داود (٣٣٤)، والحاكم (١/ ١٧٧). وسنده حسن.