قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾] (١).
والخلاصة في المعنى: كيف إذا جئنا من كل أمة بمن يشهد عليها بأعمالها، وتصديقها رسلَها أو تكذيبها، وجئنا بك يا محمد على كل الأمم شهيدًا، بما فيها أمتك.
قال ابن جريج: (﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾، قال: رسولها، فيشهد عليها أن قد أبلغهم ما أرسله الله به إليهم، ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ قال: كان النبي - ﷺ - إذا أتى عليها فاضت عيناه).
فكل رسول يشهد على أمته، ثم يجيء محمد - ﷺ - وأمته فيشهدون على جميع الأمم، ولا شك أن هذه الآية أبكت نبينا - ﷺ - عندما سمعها تُتلى عليه.
ففي الصحيحين والمسند عن عبد الله بن مسعود قال: [قال لي رسول الله - ﷺ -: اقرأ عليّ. فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: نعم، إني أُحِبُّ أن أسمعه من غيري. فقرأت سورة النساء، حتى أتيت إلى هذه الآية: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ قال: حَسْبُكَ الآن. فإذا عيناه تَذْرِفان] (٢).
وقوله: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ﴾. أي: يتمنى الذين جحدوا وحدانية الله وتعظيمه وعصوا رسوله. ﴿لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ﴾ يعني لو سوّاهم الله والأرض فصاروا ترابًا مثلها شأن مصير البهائم.
وقرأها قراء الكوفة ﴿لَوْ تُسَوَّى﴾. وقراء الحجاز ومكة والمدينة: ﴿لو تَسَّوَّى﴾.
وقرأها غيرهم: ﴿لو تُسَوى﴾، وكلها قراءات مشهورة.
وقوله: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ فيه أكثر من تأويل:
١ - قال قتادة: (معناه أنهم لما تبين لهم وحوسبوا لم يكتموا).
٢ - قال ابن عباس: (لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام قالوا: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا

(١) حديث صحيح. انظر صحيح البخاري (٦/ ٢٨٦)، ومسند أحمد (٢/ ٣٢)، ورواه النسائي. انظر صحيح الجامع (٧٨٨٩). من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٥٠٥٠)، ومسلم (٨٠٠)، وأحمد (١/ ٣٨٠)، وأخرجه أبو داود (٣٦٦٨)، وأخرجه النسائي (١٢٥) في "التفسير"، وأخرجه الترمذي (٣٠٢٨)، وابن حبان (٧٣٥)، وغيرهم. من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon