وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)}.
في هذه الآيات: نَعْتٌ للمتقين أهل السعادة في الدارين. فهم يقولون: ربنا إننا صدّقنا بك وبنبيك وما جاء من عندك، فاستر علينا ذنوبنا، بعفوك عنها، وتجاوزك عن عقوبتنا عليها، وادفع عنا عذاب النار فنجنا منها إلى دار الخلود والنعيم. وهم الصابرون، والصادقون، والقانتون، والمنفقون أموالهم في طاعة الله، والمستغفرون بالأسحار.
وعن قتادة: ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ﴾. "الصادقين" قوم صدقت أفواههم واستقامت قلوبهم وألسنتهم، وصدقوا في السرّ والعلانية، و ﴿الصَّابِرِينَ﴾ قوم صبروا على طاعة الله، وصبروا عن محارمه، والقانتون هم المطيعون لله).
وأما ﴿المنفقون﴾ فهم الباذلون من أموالهم في ألوان الطاعات، وصلة الأرحام والقرابات، ومواساة ذي الحاجات، وسدّ الخلات، من الزكوات والصدقات.
وقوله: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾. قال قتادة: (هم أصل الصلاة. قال: يصلون بالأسحار). وقال زيد بن أسلم: (هم الذين يشهدون الصبح).
قال ابن جرير: (هم السائلون ربهم أن يستر عليهم فضيحتهم بها). وقال: (وقد يحتمل أن يكون معناه: تعرّضُهم لمغفرته بالعمل والصلاة. غير أن أظهر معانيه ما ذكرناه من الدعاء).
قلت: والأسحار: جمع "سَحَر"، وهو وقت مبارك للدعاء والاستغفار والصلاة، وقد حفلت السنة الصحيحة بذكر ذلك، في أحاديث، نذكر منها:
الحديث الأول: يروي البخاري ومسلم وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - ﷺ - قال: [يَنْزِلُ ربنا تبارك وتعالى كُلَّ ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلثُ الليل الآخِرُ يقول: مَنْ يدعوني فأستجيبَ لَهُ، مَنْ يَسْألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغْفِرَ له] (١).