وقوله: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾.
أي: حتى يجعلوك حكمًا بينهم فيما تشابه واختلط عليهم والتبس حكمه.
وقوله: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ﴾. قال مجاهد: (شكًّا). وقال الضحاك: (إثمًا).
وقوله: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. قال الضحاك: (ويُسلّموا لقضائك وحكمك، إذعانًا منهما بالطاعة، وإقرارًا لك بالنبوة تسليمًا).
أخرج البخاري ومسلم عن عروة قال: [خاصم الزبير رجلًا من الأنصار في شريج (١) من الحَرَّة، فقال النبي - ﷺ -: اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك. فقال الأنصاري: يا رسول الله، أَنْ كان ابن عمتك؟ فتلوّنَ وجه رسول الله - ﷺ -، ثم قال: اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجعَ إلى الجَدْر، ثم أرسل الماء إلى جارك. واستوعى النبي - ﷺ - للزبير حَقَّهُ في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما - ﷺ - بأمر لهما فيه سَعَة، قال الزبير: فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾... الآية] (٢).
ورواه ابن ماجه بسند صحيح عن عروة بن الزبير، أن عبد الله بن الزبير حدثه: [أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبيرَ عند رسول الله - ﷺ - في شِراج الحَرَّةِ التي يسقون بها النخل. فقال الأنصاري: سرِّح الماء يمر. فأبى عليه. فاختصما عند رسول الله - ﷺ -. فقال رسول الله - ﷺ -: اسْقِ يا زُبَيْر. ثم أرسل الماء إلى جارك. فغضب الأنصاري، فقال: يا رسول الله، أَنْ كان ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فتلون وجه رسول الله - ﷺ - ثم قال: يا زُبيرُ، اسْقِ، ثم احبسِ الماء حتى يرجع إلى الجَدْر. قال، فقال الزبير: والله، إني لأحْسِبُ هذه الآية نزلت في ذلك. ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾] (٣).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٥٨٥) (٢٣٦١) مرسلًا، وأخرجه (٢٧٠٨)، ووصله البخاري (٢٣٥٩)، وأخرجه مسلم (٢٣٥٧)، وأحمد (٤/ ٤ - ٥).
(٣) حديث صحيح. انظر صحيح سنن ابن ماجه (١٥) - باب تعظيم حديث رسول الله - ﷺ - والتغليظ على من عارضه. والشراج جمع شرجة، وهي مسايل الماء. والحرة: أرض ذات حجارة سود. والجدر: الجدار. قيل المراد ما رفع حول المزرعة. وقيل أصول الشجر.