وقوله: ﴿أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾. قال ابن عباس: (كلكم). وقال السدي: (مع النبي - ﷺ -). وكل ذلك يرجع إلى قرار الإِمام والقائد. قال القرطبي: (ولا تخرج السرايا إلا بإذن الإِمام ليكون متجسسًا لهم، عَضُدًا من ورائهم، وربما احتاجوا إلى دَرْئه).
وقوله: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾. قال قتادة: (عن الجهاد والغزو في سبيل الله). وقال ابن جُريج: (المنافق يُبَطِّئُ المسلمين عن الجهاد في سبيل الله). وكلاهما صحيح.
وقوله: ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَال قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾. فقوله: ﴿مُصِيبَةٌ﴾. قال ابن زيد: (هزيمة). وقال ابن جريج: (بقتل العدو من المسلمين). فينطق يقول الشامت الكاذب: ﴿قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾. ولم يدر هذا المنافق كم فاته من أجر الشهادة والصبر على القتال وحضور المعركة.
وقوله: ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ﴾. أي نصر وظفر وغنيمة. قال ابن جريج: (ظهور المسلمين على عدوهم فأصابوا الغنيمة).
وقوله: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾. قال القرطبي: (أي: كأن لم يعاقدكم على الجهاد).
وقال ابن كثير: (أي: كأنه ليس من أهل دينكم). وقال القاسمي: (أي: صلة في الدين، ومعرفة بالصحبة). والكلام فيه تقديم وتأخير.
فالمنافقون كانوا يوادّون المؤمنين ويصادقونهم في الظاهر، ويبغون لهم الغوائل في الباطن، فقولهم هذا: ﴿يَاليْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ -أي: أصيب غنائم كثيرة، وحظًا وافرًا- هو قول من لم تتقدم له معكم موادّة، بل هو قول الحاسد. قال قتادة وابن جريج: ﴿يَاليْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ﴾ حسدًا منهم لهم).
ثم حثّ سبحانه المؤمنين على الجهاد -بعد ذم المبطئين المنافقين- فقال: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ أي: يبيعونها بها. فهناك تأويلان:
١ - قال السدي: (يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة). وقال ابن زيد: ﴿يشري﴾: يبيع، ﴿يشري﴾: يأخذ، وإن الحمقى باعوا الآخرة بالدنيا).
فالمعنى هنا: ليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم في طلب الآخرة أعداءَ الله.