الرحمن بن عوف وأصحابًا له أتوا النبي - ﷺ - بمكة، فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا في عزة ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة، فقال: إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا، فلما حولنا الله إلى المدينة أمرنا بالقتال فكفوا، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ... ﴾ الآية] (١).
وقوله: ﴿لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ وهو الموت. قال ابن جريج: (قال: إلى أن نموت موتًا، و"الأجل القريب").
وقوله: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾. قل يا محمد لهؤلاء: إن عيشكم في الدنيا وتمتعكم بها قليل لأنها فانية وما فيها فان، وإن نعيم الآخرة هو النعيم الباقي لمن أقام الدين وجاهد في سبيل الله. ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾: أي لا ينقصكم الله من أجوركم مقدار فتيل -وهو ما يكون في شق النواة.
وقرأ الحسن: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ فقال: (رحم الله عبدًا صَحِبها على حَسب ذلك، وما الدنيا كلُّها أولها وآخرها إلا كرجل نام نومةً، فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه) - ذكره ابن كثير بسَنده عند ابن أبي حاتم.
وقال ابن معين: كان أبو مُسْهر ينشد:
ولا خيرَ في الدنيا لمن لم يكنْ له... من الله في دار المقام نصيب
فإن تعجِب الدنيا رجالًا فإنها... متاعٌ قليل والزّوال قريب
وقوله: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾.
قال قتادة: (في قصور محصنة). وقال ابن جريج: (قصور مشيدة). وقال السدي: (وهي قصور بيض في سماء الدنيا، مبنية). وقال الربيع: (ولو كنتم في قصور في السماء).
والمقصود أن الموت قادم إلى العبد لا محالة ولو تحصن في أعلى أبراج الدنيا وقصورها. وفي التنزيل: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (٥٧)﴾.

(١) حديث صحيح. أخرجه النسائي (٦/ ٣)، وفي "التفسير" (١٣٢)، والحاكم (٢/ ٦٦)، والبيهقي (٩/ ١١)، وانظر: الصحيح المسند من أسباب النزول - الوادعي. النساء (٧٧).


الصفحة التالية
Icon