أي: قول الله لا يختلف، وهو حق ليس فيه باطل، وإن قول الناس يختلف).
وقال الضحاك: (﴿يَتَدَبَّرُونَ﴾، النظر فيه).
وقوله: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ... ﴾.
أخرج الإِمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: [لما اعتزل رسول الله - ﷺ - نساءه قال: دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون: طلق رسول الله نساءه، وذلك قبل أن يؤمر بالحجاب. قال عمر: فقلت: لأعلمن ذلك اليوم -فذكر الحديث، وفيه بعد استئذانه على رسول الله - ﷺ - فقلت: أطلقتهنَّ يا رسول الله؟ قال: لا، قلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد والناس ينكتون بالحصى يقولون: طلّق رسول الله - ﷺ - نساءه، فأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال: نعم إن شئت، فذكر الحديث وفيه: فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله - ﷺ - نساءه، ونزلت الآية: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾. قال: وكنت أنا استنبطت ذلك، وأنزل الله آية التخيير] (١).
فالآية إنكار على من يبادر بنشر الأمور قبل التحقق منها، فإنه قد لا يكون لها أساس من الصحة.
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي - ﷺ - قال: [كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع] (٢). قلت: والآيتان مترابطتان مع بعضهما في المنهج، فإن العلم بالواقع جزء من العلم بالدين، فكما أن فهم القرآن لا يكون إلا من عالم بتأويله وبتفسير رسول الله - ﷺ - له، وكذلك الواقع لا يؤخذ الخبر فيه إلا من أهل التثبت والدقة. وتفصيل ذلك:
أ - في أمر الدين وفهم المتشابه من القرآن
أخرج الإِمام أحمد بسند حسن عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده قال: [لقد جلست أنا وأخي مجلسًا ما أحب أن لي به حُمْرَ النَّعم، أقبلت أنا وأخي وإذا مشيخة من صحابة رسول الله - ﷺ - عند باب من أبوابه، فَكَرِهْنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حَجْرَة إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله - ﷺ - مُغْضَبًا

(١) حديث صحيح. رواه مسلم (١٤٧٩) ح (٣٠) من حديث ابن عباس عن عمر. وهو حديث طويل.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٥)، وأخرجه أبو داود (٤٩٩٢)، وابن حبان (٣٠). عن أبي هريرة.


الصفحة التالية
Icon