سرية فيها المقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم وجَدُوهم وقد تفرّقوا، وبقي رجل له قال كثير لم يبرح، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. فأهوى إليه المقداد فقتله، فقال له رجل من أصحابه: أقتلتَ رجلًا شهدَ أن لا إله إلا الله؟ والله لأذكرن ذلك للنبي - ﷺ -. فلما قدموا على رسول الله - ﷺ - قالوا: يا رسول الله، إن رجلًا شهدَ أن لا إله إلا الله، فقتله المقداد. فقال: ادعوا لي المقداد، يا مقداد: أقتلت رجلًا يقول: لا إله إلا الله، فكَيف لك بلا إله إلا الله غدًا؟ قال: فأنزل الله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا﴾. فقال رسول الله - ﷺ - للمقداد: كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة قبل] (١).
وله شاهد عند البخاري عن سعيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله - ﷺ - للمقداد: [إذا كان رجل مؤمن يُخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، فكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة من قبل] (٢).
وقوله: ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ أي من الخير والنعيم والخلود مما هو أجمل وأطيب من كل ما حرصتم عليه من هذه الدنيا الفانية، إذ حملكم ذلك على قتل من شهد أن لا إله، لا الله، واعتبرتموها تقية وتجاوزتم.
وقوله: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ - فيه تأويلان:
١ - قال سعيد بن جبير: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ﴾، تستخفون بإيمانكم، كما استخفى هذا الراعي بإيمانه). وقال في لفظ: (تكتمون إيمانكم في المشركين). واختاره ابن جرير.
٢ - قال ابن زيد: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾، كفارًا مثله، ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾).
قلت: وكلاهما يحتمله البيان الإلهي.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في "صحيحه" برقم (٦٨٦٦) معلقًا، وانظر ما قبله.