يُضْرَب فيُقْتَل، فأنزل الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾] (١).
وأخرج ابن جرير بإسناد صحيح عن عكرمة، عن ابن عباس قال: [كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين، وأكرهوا! فاستغفروا لهم، فنزلت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالوا فِيمَ كُنْتُمْ﴾ [النساء: ٩٧]، قال: فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية، لا عذر لهم. قال: فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ﴾ إلى آخر الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك، فحزنوا وأيسوا من كل خير، ثم نزلت فيهم: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، فكتبوا إليهم بذلك: "إن الله قد جعل لكم مخرجًا"، فخرجوا فأدركهم المشركون، فقاتلوهم حتى نجا من نجا، وقتل من قتل] (٢).
وفي سنن أبي داود بسند حسن عن سَمُرَة بن جندب قال: [أما بعد، قال رسول الله - ﷺ -: من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله] (٣).
وقوله: ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾. أي بالمكوث في جو الكفر وترك الهجرة.
وقوله: ﴿قَالوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾. أي لا نقدر على إقامة ديننا في بلادنا بسبب تسلط الكفار.
وقوله: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ - استنكار عليهم بعدم خروجهم في أرض وبلاد الله الواسعة يلتمسون فيها أمن دينهم وتوحيد ربهم وتعظيمه لا شريك له.
وقوله: ﴿فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾. يعني مسكنهم ومصيرهم. ﴿وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ أي: ساءت مسكنًا ومستقرًا لمن كانت مسكنه ومصيره في الآخرة.
وقوله: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾ الآية. قال ابن جرير: (وهم العجزة عن الهجرة، بالعُسْرة، وقلّة الحيلة، وسوء البصر والمعرفة بالطريق، من أرضهم أرض الشرك إلى أرض الإسلام).
وقوله: ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ﴾. أي يصفح عنهم لعذرهم في ترك الهجرة.

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٥٩٦)، و (٧٠٨٥)، والنسائي في "التفسير" (١٣٩).
(٢) حديث صحيح. أخرجه الطبري (١٠٢٦٥)، وإسناده صحيح، رجاله ثقات كلهم.
(٣) حديث حسن. أخرجه أبو داود في السنن (٢٧٨٧)، وانظر صحيح سنن أبي داود (٢٤٢٠).


الصفحة التالية
Icon