وقوله: ﴿وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾.
المقصود النهي عن استحلال القتال فيه، إلا إن اعتدى العدو وبادر إلى انتهاك هذه الحرمات. كما قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾.
قال ابن القيم: (والمقصود: أن الله سبحانه قد حكم بين أوليائه وأعدائه بالعدل والإنصاف، ولم يُبْرئ أولياءه من ارتكاب الإثم بالقتال في الشهر الحرام، بل أخبر أنه كبير، وأن ما عليه أعداؤه المشركون أكبرُ وأعظم من مجرد القتال في الشهر الحرام، فهم أحق بالذم والعيب والعقوبة، لا سيما وأولياؤه كانوا متأولين في قتالهم ذلك، أو مقصِّرين نوعَ تقصير يغفره الله لهم في جنب ما فعلوه من التوحيد والطاعات، والهجرة مع رسوله، وإيثار ما عند الله، فهم كما قيل:
وإذا الحبيبُ أتى بذنب واحد | جاءت محاسنه بألف شفيع |
وقوله: ﴿وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ﴾.
نَهْيٌ عن استحلال الهَدْي جملة، ثم خصّ ذوات القلائد تأكيدًا ومبالغة في التنبيه على الحرمة في التقليد. والهديُ ما أُهدي إلى بيت الله تعالى من ناقة أو بقرة أو شاة. والقلائد كل ما عُلّق على أسنمة الهدايا وأعناقها علامة أنه لله سبحانه.
قال ابن كثير: (﴿وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ﴾، يعني: لا تتركوا الإهداء إلى البيت، فإن فيه تعظيمًا لشعائر الله، ولا تتركوا تقليدها في أعناقها لتتميز به عما عداها من الأنعام، وليعلم أنها هَدْي إلى الكعبة، فيجتنبها من يريدُها بسوء، وتبعث من يراها على الإتيان بمثلها، فإن من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثلُ أجور من اتبعه، ومن غير أن ينقص من أجورهم شيئًا).