أختين، فكانت أمّ يحيى عند زكريا، وكانت أم مريم عند عمران، فهلك عمران وأم مريم حاملٌ بمريم). قال: (وكانت امرأة لا تحمل، فرأت يومًا طائرًا يَزُقُّ فرخه، فاشتهت الولد، فدعت الله تعالى أن يَهَبَها ولدًا، فاستجاب الله دعاءها، فواقعها زوجها، فحملت منه، فلما تحققت الحمل نذرت أن يكون محررًا أي: خالصًا مفرغًا للعبادة ولخدمة بيت المقدس، فقالت: ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾). أي: السميع لدعائي، العليم بنيتي.
وقال مجاهد: (﴿مُحَرَّرًا﴾: خادمًا للبِيعة). أو قال: (خادمًا للكنيسة). وقال الشعبي: (جعلته في الكنيسة، وفرّغته للعبادة). وقال الضحاك: (جعلت ولدها لله، وللذين يدرسُون الكتاب ويتعلَّمونه).
وقوله: ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا﴾ يعني ولدتها. ﴿قَالتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾ أي: ولدت النذيرة أنثى.
وقوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ فيه قراءتان: الأولى: "وضعتُ". والثانية: "وضعتْ" وهي الأشهر عند القراء.
وقوله: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾. أي في القوة والخدمة والجَلَد في العبادة والقيام بشؤون المسجد الأقصى. قال ابن إسحاق: (لأن الذكر هو أقوى على ذلك من الأنثى). وقال عكرمة: (﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾: يعني: في المحيض، ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال، أمها تقول ذلك).
وقوله: ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾. قال ابن كثير: (فيه دليل على جواز التسمية يوم الولادة كما هو الظاهر من السياق، لأنه شرع من قبلنا، وقد حُكي مقررًا).
وقد جاء في السنة الصحيحة ما يؤيد ذلك، في أحاديث:
الحديث الأول: روى مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: [وُلِدَ لي الليلةَ غلامٌ، فَسَمَّيْتُهُ باسم أبي، إبراهيمَ - عليه السلام] (١).
الحديث الثاني: أخرج البخاري ومسلم - واللفظ له - من حديث جابر قال: [ولد لرجل منا غلامٌ، فسماه محمدًا، فقال له قومه: لا نَدَعُكَ تُسَمِّيَ باسمِ رسول الله - ﷺ -،