وروى فيه عن جابر أيضًا، أنه سمع النبي - ﷺ - يقول: [يَبْعَثُ الشيطان سراياه فَيَفْتِنُون الناسَ، فأعْظَمُهُم عنده منزلة أعظمهم فتنة].
وقوله: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾.
قال ابن جريج: (فلا تخشوهم أن يظهروا عليكم).
وقال ابن جرير:

(فلا تخشوا، أيها المؤمنون، هؤلاء الذي قد يئسوا من دينكم أن ترجعوا عنه من الكفار، ولا تخافوهم أن يظهروا عليكم، فيقهروكم ويردوكم عن دينكم، ولكن خافون، إن أنتم خالفتم أمري واجترأتم على معصيتي، وتعدّيتم حدودي، أن أُحل بكم عقابي وأنزل بكم عذابي).
قال ابن كثير: (أي: لا تخافوا منهم في مخالفتكم إياهم واخشوني، أنصرُكم عليهم، وأُبيدُهم، وأُظْفِركُم بهم، وأَشْفي صدوركم منهم، وأجعلكم فوقهم في الدنيا والآخرة).
والخشية تعرف بضدها كما قال الحسن: (عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحسانًا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنًا).
قال ابن القيم رحمه الله: (والوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة).
وفي التنزيل: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾. هو وصف لحال قلوب المؤمنين.
أخرج الإمام أحمد في المسند، عن عائشة رضي الله عنها: [أنها قالت: يا رسول الله! الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات] (١).
وقوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.
قال ابن عباس: (وهو الإسلام. قال: أخبر الله نبيّه - ﷺ - والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدًا، وقد أتمه الله عز ذكره فلا ينقصه أبدًا، وقد رضيهُ الله فلا يَسْخَطه أبدًا).
(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٦/ ١٥٩)، والترمذي (٢/ ٢٠١)، وانظر السلسلة الصحيحة (١٦٢).


الصفحة التالية
Icon