ما هداكم له من ميثاق طاعته ونجاتكم من الضلالة والرّدى. وأَمْرٌ منه سبحانه أن تكونوا قائمين بالحق لا يحملكم بُغض قوم على ترك العدل، وهو سبحانه عليمٌ بذات الصدور، خبيرٌ بأعمالكم، وقد وعد المؤمنيمن القائمين بمنهاج العمل الصالح مغفرة وأجرًا عظيمًا، في حين وعد الكافرين عذابًا أليمًا. ثم ذكرهم إذ نجّاهم من مكر قوم من أعدائهم هموا ببسط الأذى لهم - أفلا يحملكم هذا كله على التقوى وصدق التوكل على الله جل ثناؤه. فإلى تفصيل ذلك:
فعن مجاهد: (﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾، قال: النعم، آلاء الله).
وعن ابن عباس: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ الآية، يعني: حيث بعث الله النبي - ﷺ - وأنزل عليه الكتاب، فقالوا: "آمنا بالنبي - ﷺ - وبالكتاب وأقررنا بما في التوراة"، فذكَّرهم الله ميثاقه الذي أقروا به على أنفسهم، وأمرهم بالوفاء به). فالنعمة الإسلام، والميثاق كما قال ابن جرير: (يعني: وعهده الذي عاهدكم به حين بايعتم رسوله محمدًا - ﷺ - على السمع والطاعة له في المنَشط والمكره والعُسر واليسر).
ففي الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال: [بايعنا رسول الله - ﷺ - على السمع والطاعة، في مَنْشْطِنا ومكرهنا، وعُسْرِنَا ويُسْرنا، وأَثرةٍ علينا، وأن لا نُنَازعَ الأمر أهله. قال: إلا أن تَرَوْا كُفرًا بَوَاحًا عندكم فيه من الله برهان] (١).
- وقيل هو العهد المأخوذ على ذرية آدم يوم استخرجها من صلبه، وقيل بل هو العهد المأخوذ على اليهود في متابعة محمد - ﷺ - والأول أظهر ورجّحه ابن جرير.
وقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.
أَمْرٌ بالتقوى، وتَحْذِيرٌ من مخالفة عهد من يعلم السر وأخفى.
وقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ﴾.
قال ابن كثير: (أي: كونوا قائمين بالحق لله - عز وجل - لا لأجل الناس والسمعة).
وقوله: ﴿شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾.
أَمْرٌ بإقامة العدل وتحذير من انظلم والجَوْر.