أول مرة تقطع يده اليمنى، ثم إذا سرق ثانيًا تقطع رجله اليسرى، واختلفوا فيما إذا سرق ثالثًا بعد قطع يده ورجله، فذهب أكثرهم إلى أن تقطع يده اليسرى- قلت: قد صحّ هذا عن أبي بكر وعمر عند البيهقي (٨/ ٢٨٤) - ثم إذا سرق أيضًا تقطع رجله اليمنى، ثم إذا سرق أيضًا يعزّر ويحبس).
وقوله: ﴿جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨)﴾.
قال قتادة: (لا تَرْثوا لهم أن تقيموا فيهم الحدود، فإنه والله ما أمر الله بأمرٍ قَطُّ إلا وهو صلاحٌ، ولا نهى عن أمرٍ قطُ إلا وهو فساد).
وقوله: ﴿نَكَالًا﴾.
أي: تنكيلًا من الله بهما مقابل ما اقترفاه. ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ﴾ أي: في انتقامه من السارق والسارقة وأهل المعاصي والآثام. ﴿حَكِيمٌ﴾ في تشريعه وحكمه وقضائه.
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩)﴾.
أي: من أناب إلى الله وتاب من هذا الصنيع وأصلح نفسه وزكاها بطاعة الله فإن الله يتوب عليه، ولكن لا بد من ردّ الحقوق إلى أهلها.
أخرج النسائي بسند صحيح عن ابن عمر: [كانت امرأة مخزومية تَستعِيرُ متاعًا على ألسنة جاراتها وتجحَدُه، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقطع يدها] (١).
وفي لفظ آخر: [أن امرأة كانت تستعيرُ الحلي للناس ثم تمسكه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لتتب هذِه المرأة إلى الله ورسوله وتَرُدَّ ما تأخذُ على القوم، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قمْ يا بلال فخذ بيدها فاقطعها] (٢).
ويبدو أن المرأة قد تابت وحسنت توبتها، بعد أن قطعت يدها.
ففي الصحيحين عن عائشة: [أن قُريشًا أهمهم شأنُ المرأة التي سرقت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الفتح، فقالوا: من يُكَلِّم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا: ومَنْ يَجْتَرِئ عليه إلا أسامةُ بن زيد حِبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فَأُتيَ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلّمَهُ فيها أسامة بن زيد، فتَلَوَّنَ وجْه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أتشفعُ في حَدٍّ من حدود الله عز وجل؟ فقال له أسامة:
(٢) حديث حسن. أخرجه النسائي في "الكبرى" (٧٣٧٦)، وله شواهد.