وقوله: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ - فيه أقوال متكاملة:
١ - عن ابن عباس: (قوله: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾، يقول: شهيدًا). قال: القرآن شاهد على التوراة والإنجيل، مصدقًا لهما).
وقال السدي: (شهيدًا عليه). وقال قتادة: (أمينًا وشاهدًا على الكتب التي خلت قبله).
٢ - قال مجاهد: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾، مؤتمنًا على القرآن، وشاهدًا ومصدِّقًا).
وقال ابن جريج: وقال آخرون: (القرآن أمين على الكتب فيما إذا أخبرنا أهل الكتاب في كتابهم بأمر، إن كان في القرآن فصدقوا، وإلا فكذبوا).
وقال ابن جريج: (القرآن أمين على الكتب المتقدمة قبله، فما وافقه منها فهو حق، وما خالفه منها فهو باطل).
٣ - قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (والمهيمن الأمين. قال: القرآن أمين على كل كتاب قبله). وقال: (يعني: أمينًا عليه، يحكم على ما كان قبله من الكتب).
قلت: ولا شك أن اسم "المهيمن" يشمل هذه المعاني، فالقرآن أمين وشاهد وحاكم على الكتب قبله. وأما ما جاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾، قال: محمد -صلى الله عليه وسلم-، مؤتمن على القرآن). فهو صحيح المعنى، لكنه بعيد التفسير والتأويل في هذا الموضع، لذلك استبعده شيخ المفسرين الإمام ابن جرير، وتبعه على ذلك ابن كثير وغيره من المفسرين. فالآية تدل على هيمنة القرآن الكريم على الكتب التي كانت قبله إلى يوم القيامة، وقد تكفل الله سبحانه بحماية فهم هذا الكتاب كما حمى تنزيله.
فقد أخرج الإمام أحمد في المسند، عن أبي سعيد الخدري قال: [كنا جلوسًا ننتظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، فقمنا معه، فانقطعت نعله، فتخلّفَ عَلَيْهَا عليٌّ يَخْصِفُها، فمضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومضينا معه، ثم قام ينتظره، وقمنا معه، فقال: إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله.