المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكرُ حتى يظل الرجل لا يدري كم صَلّى] (١).
الحديث الثاني: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [إذا أذن المؤذن أدْبَرَ الشيطان، ولهُ حُصَاص] (٢).
وفي لفظ: [إن الشيطان، إذا نُودي بالصلاة، وَلّى وله حُصَاص].
الحديث الثالث: أخرج الإمام مسلم عن جابر قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: [إن الشيطان إذا سمع النداءَ بالصلاة، ذهب حتى يكون مكان الروحاء] (٣).
قال سليمانُ: فسألتُه عن الرَّوحاء؟ فقال: هي من المدينة سِتَةٌ وثلاثون ميلًا.
وقوله: ﴿اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا﴾.
أي هزوًا بالدعاء إلى الصلاة ولعبًا بذلك. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾. أي: ما لهم في إجابة النداء إلى الصلاة، وما عليهم في سخريتهم من العقاب، فلو عقلوا ما فعلوا ذلك.
ولقد تألق مُعَلِّم البشر وعالم النفس الأول في هذه المعمورة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين عالج هذا النقص والعيب في الشخصية، وهو مرض هزال الروح وحب السخرية والاستهزاء الذي ما زال الناس يضربهم الشيطان به من زمان آدم ونوح عليهما السلام، إلى زماننا هذا. فلنصغ معًا كيف عالج النبي -صلى الله عليه وسلم- ما اعترى أبا محذورة من هزال النفس والاستهزاء عندما سمع النداء!
أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة -واللفظ له- عن عبد الله بن مُحيريز، وكان يتيمًا في حِجر أبي مَحذورة بن مِعْيَر، حين جهزه إلى الشام. فقلت لأبي محذورة: أي عم! إني خارج إلى الشام، وإني أُسأل عن تأذينك؟ فأخبرني أن أبا محذورة قال: [خرجت في نفر. فكنا ببعض الطريق. فأذن مؤذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصلاة، عند

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح -حديث رقم- (٦٠٨) -كتاب الأذان- باب فضل التأذين. وروى مسلم نحوه.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح -حديث رقم- (٣٨٩) -كتاب الصلاة. ابن فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه.
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح -حديث رقم- (٣٨٨) -كتاب الصلاة. الباب السابق.


الصفحة التالية
Icon