كذلك سمعنا خَشْخَشَةَ سلاح، فقال: مَنْ هذا؟ قال: سعد بن أبي وقاص. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما جاء بك؟ فقال: وقع في نفسي خوفٌ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم نام] (١).
ورواه أحمد وفيه: [فقال: ما جاء بك؟ قال: جئتُ لأحرُسكَ يا رسول الله. قال: فَسَمعتُ غطيطَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نومه].
قال الحافظ ابن كثير: (ومن عصمة الله لرسوله حافظُهُ له من أهل مكة وصناديدها وحُسَّادها ومُعَانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبَغْضَة ونَصبِ المحاربة له ليلًا ونهارًا، بما يَخْلُقُهُ الله تعالى من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة. فصانه في ابتداء الرسالة بعمِّه أبي طالب، إذ كان رئيسًا مطاعًا كبيرًا في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعيَّة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا شرعِيَّة، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارُها وكبارها، ولكن لَمَّا كان بينه وبينهم قَدَرٌ مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات عمه أبو طالب نال منه المشركون أَذىً يسيرًا، ثم قيَّضَ الله له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحَوَّلَ إلى دارهم -وهي المدينة- فلما صار إليها حَمَوْه من الأحمر والأسود، فكلّما هَمَّ أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله وَرَدَّ كيدَه عليه، لَمَّا كاده اليهود بالسحر حَمَاه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواءً لذلك الداء. ولما سَمَّ اليهود ذراعَ تلك الشاة بِخَيْبَرَ، أعلمَهُ الله به، وحماه منه. ولهذا أشباه كثيرة جدًّا يطول ذكرها).
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.
أي: لا يوفقهم لسلوك سبيل الهداية والرشاد جزاء استهتارهم وردّ شرع الله وبلاغ الرسل.
قال القرطبي: (أي لا يرشدهم. وقيلَ: أبْلغ أنت فأما الهداية فإلينا. نظيره: ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾. وقال ابن جرير: (إن الله لا يوَفِّقَ للرُّشْد من حَاد عن سبيل الحق، وجار عن قصد السبيل، وجحد ما جئته به من عند الله، ولم ينته إلى أمر الله وطاعته فيما فرض عليه وأوجبه).

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٤١٠) -كتاب فضائل الصحابة- وانظر صحيح البخاري (٢٨٨٥) وكذلك (٧٢٣١)، ومسند أحمد (٦/ ١٤١)، والنسائي في "الكبرى" (٨٨٦٧). وانظر كتابي: السيرة النبوية على منهج الوحيين (١/ ٥٢٢ - ٥٢٣) لتفصيل تلك الأحداث والروايات.


الصفحة التالية
Icon