والمعنى: نحضرهم في حال المباهلة ثم نلتعن ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ منا أو منكم.
أخرج الحاكم من حديث يونس بن بكير عن سلمة بن عبد يسوع، عن أبيه، عن جده، قال يونس: (فلم تزل به وبهم - يعني وفد نجران - المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى عليه السلام؟ فإنا نرجع إلى قومنا، ونحن نصارى، فيسرّنا إن كنت نبيًّا أن نعلم ما تقول فيه؟ فقال رسول الله - ﷺ -: ما عندي فيه شيءٌ يَوْمي هذا، فأقيموا حتى أخبركم بما يُقال لي في عيسى عليه السلام، فأصبح الغد وقد أنزل الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾، فأبوا أن يقروا بذلك، فلما أصبح رسولُ الله - ﷺ - الغد بعدما أخبرهم الخبر، أقبل مشتملًا على الحسن والحسين رضي الله عنهما في خميل له، وفاطمة رضي الله عنها تمشي عند ظهره للمُباهلة.... فخافوا وتشاوروا فقال كل من العاقب والسيد للآخر: لا تفعل فوالله لئن كان نبيًّا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، فلا يبقى على وجه الأرض منا شعرة ولا ظفر إلا هلك... ) (١).
وله شاهد عند الترمذي عن سعد قال: [لما نزلت هذه الآية: ﴿تَعَالوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ﴾ الآية، دعا رسول الله - ﷺ - عليًّا وفاطمة وحسنًا وحسينًا، فقال: "اللهم هؤلاء أهلي"].
وأخرج البيهقي بسند صحيح إلى ابن مسعود: [أن السيد والعاقب أتيا رسول الله - ﷺ -، فأراد أن يُلاعنهما، فقال أحدُهما لصاحبه: لا تُلاعِنْهُ، فوالله إن كان نبيًّا فلاعنتَه لا نُفْلِحُ نحن، ولا عَقِبُنَا من بعدنا، قالوا له: نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعث معنا إلا أمينًا، فقال رسول الله - ﷺ -: لأبعَثَنَّ معكم رجلًا أمينًا حقَّ أمين. فاستشرف لها أصحابه، فقال: قُمْ يا أبا عبيدة بنَ الجراح. فلما قام، قال: هذا أمين هذه الأمة] (٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البيهقي، ويشهد له ما بعده في الصحيحين، وانظر زاد المعاد (٣/ ٦٣٧).