ما زِلْتُ جاهدًا في طلب مَرْكَبٍ لِآتيَكَ بِمالِكَ فما وجدتُ مَرْكبًا قبل الذي أتيتُ فيه. قال: هل كنتَ بَعَثْتَ إليَّ بشيء؟ قال: أُخْبِرُكَ إني لم أجدْ مَرْكبًا قبل الذي جئتُ فيه، قال: فإن الله قد أدّى عنك الذي بَعَثْتَ الخَشَبَةَ وانْصَرِف بالألف الدينارِ راشدًا] (١).
وقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾. يعني -قال الذين استحلوا الخيانة من اليهود-: لا حرج علينا فيما أصبنا من أموال العرب ولا إثم، لأنهم على غير الحق، وأنهم مشركون.
قال قتادة: (قالت اليهود: ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل).
وقال: (قال: ليس علينا في المشركين سبيل، يعنون من ليس من أهل الكتاب).
وقوله: ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. قال ابن جريج: (يعني ادّعاءهم أنهم وجدوا في كتابهم قولهم: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾).
والمعنى: يقولون على الله الكذب، ويفترون وهم يعلمون أنهم يكذبون.
وقوله تعالى: ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.
المعنى: ليس الأمر كما زعم هؤلاء الكذبة منَ اليهود، أنه ليس عليهم حرج ولا إثم في أموال الأميين، ولكن الأمر أنه من أوفى بعهده وأدى الأمانة، واتقى الميثاق الذي عقده الله بالإيمان بمحمد ورسالته، فصدق بذلك وقام بمقتضى هذا العهد والميثاق الذي أخذه الله على الأنبياء والأمم: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.
٧٧. قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٧)﴾.
في هذه الآية: إن الذين ارتضوا أن يستبدلوا الذي هو أدنى: الأثمان الزهيدة والعروض الفانية، والزينة البالية، بالذي هو أعلى: تصديق عهد الله باتباع محمد - ﷺ - والإيمان بما جاء به، لا نصيب لهم في خيرات الآخرة، ولا يكلمهم الله كلام تشريف ومدح، بل كلام إهانة وتوبيخ، ثم ينتظرهم بعد ذلك عذاب أليم.