وأما اختيار الله سبحانه وقت زحمة النهار وهدأة الليل للانتقام من عباده المتكبرين على طاعته وعبادته، فإنه وقت اللهو والخوض في اللعب وأشكال التلاعب على الشرع أثناء النهار، أو وقت ركوب الموبقات والفواحش عند استقرار الليل للفجّار.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأعراف: ٩٧، ٩٨].
٢ - وقال تعالى: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ٤٥ - ٤٧].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله - ﷺ - قال: [بينما رجل يمشي في حلة تُعْجِبُهُ نفسُه، مُرَجِّلٌ رأسَه، يختال في مِشْيَتِهِ، إذ خسف الله به، فهو يَتَجَلْجَلُ في الأرض إلى يوم القيامة] (١).
وقوله تعالى: ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾.
أي: ما كان منهم حين رأوا العذاب ونزول البأس إلا أن أقروا بذنوبهم وبما كانوا يظلمون. قال النسفي: (اعترفوا بالظلم على أنفسهم والشرك حين لم ينفعهم ذلك).
أخرج الإمام أحمد في المسند - عن عبد الرحمن بن جُبَيْر بن نُفَير عن أبيه قال: [لما فتحت قبرس فُرِّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء، جالسًا وحده يبكي فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظالمة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى] (٢).
وكذلك في المسند عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده، فقلت: يا رسول الله أما فيهم يومئذ ناس
_________
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٠/ ٢٢١)، و (١٠/ ٢٢٢)، وأخرجه مسلم في الصحيح (٢٠٨٨). ويتجلجل: أي يغوص في الأرض حين يخسف به، والجلجلة حركة مع صوت.
(٢) أخرجه أحمد من حديث جبير بن نفير. انظر: "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" - ابن القيم - أثر الذنوب. وكتابي: تحصيل السعادتين (٢٤٠) لتفصيل البحث.


الصفحة التالية
Icon