قلت: وكلها تفاسير يدل عليها السياق، ويحتملها المعنى، وقد وردت السنة الصحيحة في ذلك، ضمن أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: [قام فينا رسول الله - ﷺ - بموعظة فقال: يا أيها الناس، إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غُرْلًا، ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤]]، الحديث (١).
الحديث الثاني: أخرج البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إن العبد ليعمل - فيما يرى الناس - بعمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار. وإنه ليعمل - فيما يرى الناس - بعمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة. وإنما الأعمال بالخواتيم] (٢).
الحديث الثالث: أخرج الشيخان وأكثر أهل السنن عن علي مرفوعًا: [ما منكم مِنْ أَحَدٍ، ما مِنْ نَفْسِ مَنْفُوسَةٍ إلا كُتِبَ مَكانُها من الجنة والنّار، وإلا قد كُتِبَتْ شَقِيَّةً أو سعيدة. فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نَتَّكِلُ على كتابنا ونَدَعُ العمل؟ فمن كان مِنّا من أهل السعادة فسيصيرُ إلى عمل أهل السعادة، وأما مَنْ كان منّا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة. قال: أمّا أهلُ السعادة فَيُيَسَّرون لعمل السَّعادة، وأما أَهْلُ الشقاوة فيُيَسَّرون لعمل الشقاوة. ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦)﴾] (٣).
وقوله: ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)﴾.
تعليل لدخول الفريق الثاني في الشقاوة، وتوضيح لمفهوم الكتابة في اللوح المحفوظ، فهي كتابة علم لا كتابة جبر، فالعبد اختار لنفسه الطريق وغدًا تظهر النتائج.
قال ابن جرير: (وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم أن الله لا يُعَذِّبُ أحدًا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٨٩٨)، (٤٢٠٢)، ومسلم (١١٢)، وأحمد (٥/ ٣٣٥)، والبيهقي في الدلائل (٤/ ٢٥٢). من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٣٦٢) - كتاب الجنائز - واللفظ له، وأخرجه مسلم (٢٦٤٧)، وأبو داود (٤٦٩٤)، والترمذي (٢١٣٧)، وابن ماجه (٧٨)، وأحمد (١/ ٨٢)، وغيرهم.