قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، فإذا أخَذَها لم يَدَعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحَنُوط. ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وُجِدَت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون - يعني بها - على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عِلّيين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى. قال: فتعاد روحُه: فيأتيه مَلَكان فيجلسانه فيقولان له: من ربُّك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعِثَ فيكم؟ فيقول: هو رسول الله - ﷺ - فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتابَ الله فآمنتُ به وصدَّقتُ. فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة. فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مَدّ بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرُّك، هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير. فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي.
قال: وإن العبد الكافر، إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مَدّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فَتُفَرق في جسده، فينتزعها كما يُنْتَزَعُ السَّفُودُ (١) من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذا لم يَدَعُوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض. فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى يُنْتَهى به إلى السماء الدنيا، فَيُسْتَفْتَحُ له، فلا يُفْتَحُ. ثم قرأ رسول الله - ﷺ -: ﴿لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجّين في الأرض

(١) السفود: السِّيخ، حديدة يشوى بها.


الصفحة التالية
Icon