٣ - وقال تعالى يصف حوار لوط معهم: ﴿قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الحجر: ٧١].
فأرشدهم إلى نسائهم، فاعتذروا بأنهم لا يشتهونهن: ﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩].
قال ابن كثير: (أي: لقد علمت أنه لا أرب لنا في النساء ولا إرادة، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك. وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى بعضهم ببعض، وكذلك نساؤهم كن قد استغنى بعضهن ببعض أيضًا).
فقد حذرهم لوط عليه الصلاة والسلام من مغبة التهاون بأمر الفواحش وهذا الانحراف الذي ما سبقهم إليه أحد من العالمين. وقد جمع لهم من حجة الوحي وقوة الحق، ما يبين لهم نتيجة هذا الاسترسال بالشهوة وإتيان الرجال دون النساء، حتى إذا أعجزوه بإصرارهم على منكرهم لجأ إلى الله العظيم، ليريح الواقع منهم ومن رجسهم، فاستجاب الله له فقال: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [الحجر: ٧٣، ٧٤]
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾.
قال قتادة: (عابوهم بغير عَيْب، وذمُّوهم بغير ذمّ).
والمعنى: أنهم أجابوا لوطًا - ﷺ - حينما وبَّخهم على قبيح ما هم عليه من الفعل، والإصرار على العمل الخبيث، ﴿أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾. أي: إن لوطًا ومن معه يتنزهون عما نفعله من إتيان الرجال في الأدبار. قال مجاهد: (﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ قال: من أدبار الرجال وأدبار النساء). وقال السدي: (يتحرَّجون).
وقوله تعالى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾.
أي: الباقين.
فإنه لم يؤمن بلوط - ﷺ - سوى أهل بيته كما قال تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الذاريات: ٣٥، ٣٦]. إلا امرأته بقيت على دين قومها تمالئهم عليه وتُعْلِمُهُم بمن يَقْدُم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم - كما


الصفحة التالية
Icon