قال ابن إسحاق: (لما انتهى موسى إلى قومه فرأى ما هم عليه من عبادة العجل، ألقى الألواح من يده، ثم أخذ برأس أخيه ولحيته، ويقول: ﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣)﴾).
قيل: كانت الألواح من زُمُرّد. وقيل: من ياقوت. وقيل: من بَرَدٍ (١). والله تعالى أعلم.
وقوله: ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
هو كقوله تعالى في سورة طه: ﴿قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤)﴾.
والمقصود بالقوم في الآية: الذين عكفوا على عبادة العجل، وقوله: ﴿اسْتَضْعَفُونِي﴾ أي: بتركهم طاعتي واتباع أمري. ﴿وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾ - أي: قاربوا ولم يفعلوا. ﴿فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ﴾: قال القرطبي: (لا تفعل بي ما تشمت من أَجله الأعداء). وقال ابن كثير: (﴿وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، أي: لا تَسُقني مَسَاقهم، ولا تخلطني معهم، وإنما قال: ﴿ابْنَ أُمَّ﴾ ليكون أرأف وأنجع عنده، وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه).
قلت: وأصل الشماتة في لغة العرب: الفرح ببلية العدو. وقد كان النبي - ﷺ - يتعوذ منها ويأمر أصحابه بالتعوذ منها، فإن شماتة الأعداء على النفس مؤلمة.
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، عن النبي - ﷺ - قال: [تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء] (٢).
وأخرج النسائي والحاكم بسند حسن عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: [كان يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم إني أعوذ بك من غَلَبَة الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ العَدُوّ، وشماتة الأعداء] (٣).

(١) قال أبو العالية: (كانت ألواح موسى عليه السلام من برد). وقال ابن جريج، عن ابن عباس: (أن الألواح من زبرجد وزمرد من الجنة). وقال سعيد بن جبير: (كانت من ياقوتة، كتابة الذهب، كتبها الرحمن بيده، فسمع أهل السماوات صريف القلم وهو يكتبها) - ذكره وما قبله ابن جرير.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه (٤/ ٢٥٦)، وانظر كذلك (٤/ ٢٠٠) من حديث أنس.
(٣) حديث حسن. أخرجه النسائي (٢/ ٣١٦، ٣١٧)، والحاكم (١/ ١٠٤)، وأحمد (٢/ ١٧٣). وانظر صحيح مسلم (٨/ ٧٦) للجملة الأخيرة، والحديث في السلسلة الصحيحة برقم (١٥٤١).


الصفحة التالية
Icon