في كشف حوائجهم غيره، ولا يدعون سواه، ولا يلوذون إلا بجانبه، ولا يرغبون إلا إليه. ثم إنهم يقيمون صلاتهم بوضوئها وركوعها وسجودها وبالمحافظة على مواقيتها وينفقون ما وجب عليهم في أموالهم من الصدقات المفروضة والنفقات الواجبة والمستحبة. إنهم بهذه الصفات الكبيرة هم أهل الإيمان والصدق حقًا، لهم الدرجات العلا عند ربهم، وقد تجاوز الله عن ذنوبهم وستر عيوبهم، ووعدهم على صدق الإيمان نعيم الآخرة وسرور الجنة ونعيمها ولذاتها.
فقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ الآية.
قال مجاهد: (فرِقت). وقال السدي: (إذا ذكر الله وَجِل قلبه). وقال: (هو الرجل يريد أن يظلم - أو قال: يهمّ بمعصية - أحسبه قال: فينزع عنه). وقال قتادة: (فرقًا من الله تبارك وتعالى، ووجلًا من الله، وخوفًا من الله تبارك وتعالى).
قلت: وهذه الصفة علامة فارقة بين المؤمنين والمنافقين، فقد تميز المؤمنون عن المنافقين بالخوف من الله وامتلاء القلوب بالوجل والخشية عند ذكره سبحانه، عكس المنافقين الذين يظهرون خوفًا مصطنعًا ويراؤون ويخشون على دنياهم ومناصبهم وشهواتهم. قال ابن عباس: (المنافقون، لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله، ولا يتوكلون على الله، ولا يصلّون إذا غابوا، ولا يؤدّون زكاة أموالهم. فأخبر الله سبحانه أنهم ليسوا بمؤمنين، ثم وصف المؤمنين فقال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾، فأدوا فرائضه، ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾، يقول تصديقًا، ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾، يقول: لا يرجون غيره).
وعن الربيع: (﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾، قال: خشية).
وعن قتادة: (﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾، قال: هذا نعت أهل الإيمان، فأثبت نَعْتَهم ووصفهم، فأثبت صفتهم).
وهذه الآية تدل صراحة على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب، وهو مذهب جمهور الأمة، وقد حكى الإجماع على ذلك أعلام الأئمة كالشافعي وأحمد وأبي عبيد، وبوّب الإمام البخاري في صحيحه بابًا في (كتاب الإيمان) سماه: "باب: قول النبي - ﷺ - بني الإسلام على خمس" - وهو قول وفعل، ويزيد وينقص.
وقد دلت نصوص القرآن والسنة على ذلك: