الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدًا. قال: فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه فأخذ رداءه فرداه، ثم التزمه من ورائه ثم قال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، وأنزل الله عز وجل: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾] (١).
قال ابن عباس: (مردفين: متتابعين، قال: وراء كل ملك ملك).
وقال مجاهد: (ما مدّ النبي - ﷺ - مما ذكر الله غيرُ ألف من الملائكة مردفين، وذكر الثلاثة والخمسة بشرى).
أي لو احتجتم أكثر من ذلك لأسعفناكم ولزودناكم بالمدد بعد المدد، فاطمئنوا ولتسْتبشر قلوبكم، ولا سبيل لنصر في هذه الحياة الدنيا إلا من عند الله، إنه وحده العزيز الحكيم، ولذلك قال تعالى بعدها:
﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
ثم قال جل ذكره: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾.
لقد قضى المسلمون ليلًا هادئًا - قبل المعركة - بات فيه رسول الله - ﷺ - يحرسهم، وهذه قيادة عظيمة لا مثيل لها في التاريخ، إذ يقوم القائد ليله في حراسة جنده، وتساقطت أمطار خفيفة أنعشت صدورهم وطمأنت قلوبهم وتماسكت بها الأرض لتشهد في الغد قتال الرجال.
قال ابن إسحاق: (﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ﴾، أي: أنزلت عليكم الأمنة حتى نمتم لا تخافون).
أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن علي رضي الله عنه - يصف كيف بات المسلمون ليلة السابع عشر من رمضان ببدر - قال: [لقد رأيتنا يوم بدر، وما منا إلا نائم إلا رسول الله - ﷺ -، فإنه كان يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح.. ثم إنه أصابنا من الليل طَشّ من مطر، فانطلقنا تحت الشجر والحَجف (٢) نستظل تحتها من المطر،
(٢) الحجف: التروس.