فِيهِمْ}، قال: فخرج النبي - ﷺ - إلى المدينة، فأنزل الله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.
قال: وكان أولئك البقية من المؤمنين الذين بقوا فيها يستغفرون - يعني بمكة - فلما خرجوا أنزل الله: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ﴾، قال: فأذن الله في فتح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم).
قلت: والذي ذكره ابن جرير من رواية ابن أبزى وذكر نحوه من رواية ابن عباس والضحاك أقرب لفهم الآيات، فإن الله سبحانه أخّر عن قريش العذاب ما دام رسول الله - ﷺ - بين أظهرهم، فلما هاجر وبقيت فئة مؤمنة مستغفرة أخّر العذاب عن أهل مكة مرة أخرى، وجَرّ الطغاة منهم إلى بدر لينالوا مصرعهم ومصيرهم الفاجع، فلما خرج المؤمنون من مكة وأصر المشركون على إنكار الوحي والنبوة أنزل الله بهم عذابه بالخزي والذل يوم الفتح، بعدما حصدوا من الذل والقتل ما حصدوه قبل ذلك.
وقوله: ﴿وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ﴾. أي: كيف لا يعذبهم الله تعالى وهم يصدون المؤمنين عن المسجد الحرام بمكة والطواف به والصلاة عنده، فالمؤمنون أهله الحقيقيون، وأما طغاة مكة فليسوا أهل المسجد الحرام، بل أهله على الحقيقة: النبي - ﷺ - وأصحابه الكرام.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (١٧) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ [التوبة: ١٧، ١٨].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢١٧].
وقوله: ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
قال محمد بن إسحاق: (﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾: هم محمد - ﷺ - وأصحابه رضي الله عنهم).
وقال مجاهد: (هم المجاهدون مَنْ كانوا، وحيث كانوا).