ومظاهرتهم الأعداء على المسلمين أو كان عهدهم إلى أجل غير معلوم، فاقتلوا هؤلاء المشركين حيث لقيتموهم من الأرض في الحل والحرم وفي أي شهر، وخذوهم أسرى واحصروهم بمنعهم التصرف في بلاد الإسلام ودخول مكة واقعدوا لهم بالطلب كل طريق ومرقب، فإن رجعوا عن الشرك وأخلصوا التوحيد والإقرار بالنبوة وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم.
قال أنَس: (توبتهم، خلع الأوثان، وعبادة ربهم، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة).
وكان قتادة يقول: (خلوا سبيل من أمركم الله أن تخلوا سبيله، فإنما الناس ثلاثة: رهْط مسلم عليه الزكاة، ومشرك عليه الجزية، وصاحب حرب يأمن بتجارته في المسلمين إذا أعطى عُشور ماله) - ذكرهما ابن جرير.
ثم قال سبحانه: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
قال مجاهد: (إنسان يأتيك فيسمع ما تقول، ويسمع ما أنزل عليك، فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلام الله، وحتى يبلغ مأمنه، حيث جاءه).
قال ابن كثير: (والغرضُ أن من قَدِمَ من دار الحرب إلى دار الإِسلام في أداء رسالة أو تجارة، أو طلب صُلْح أو مهادنة أو حمل جزية، أو نحو ذلك من الأسباب، فطلب من الإمام أو نائبه أمانًا، أعطي أمانًا ما دام مترددًا في دار الإسلام، وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه.
لكن قال العلماء: لا يجوز أن يمكن من الإقامة في دار الإسلام سنة، ويجوز أن يمكن من إقامة أربعة أشهر، وفيما بين ذلك فيما زاد على أربعة أشهر ونقص عن سنة قولان، عن الإمام الشافعي وغيره من العلماء، رحمهم الله).
وخلاصة القول: إنْ طَلَبَ المشرك أمانًا يُمَكِّنُ من إبلاغه عهد الله وإقامة حجة الله البالغة عليه فإنه يُعطى ذلك ويكون آمنًا مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه، وقد شُرِّعَ ذلك ليعلموا دين الله، وتصل دعوة الله سبحانه إلى الخلق.
وفي السنة الصحيحة آفاق هذا المعنى، في أحاديث، منها:
الحديث الأول: أخرج أبو داود بسند صحيح عن نعيم بن مسعود الأشجعي، قال: [سمعت رسول الله - ﷺ - يقول لهما - أي لرسولي مُسيلمة الكذاب - حين قرأ كتاب