وقوله تعالى: ﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.
قال السدي: ﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ - أي خزاعة - حين قتلهم بنو بكر، وأعانتهم قريش).
قال النسفي: (﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ لما لقوا منهم من المكروه وقد حصل الله هذه المواعيد كلها فكان دليلًا على صحة نبوته).
قلت: والآية أيضًا عامة في كل زمان ومكان، فإن الله تعالى يُنْزل الخزي والذل بأعداء دينه وينصر عليهم فئة المؤمنين الصادقين، فيذهب غيظ قلوبهم مما لاقوه منهم من ظلم وتجبر وعلو في الأرض بغير الحق ونشر للكفر والفساد، ثم الله جل وعلا يتوب برحمته على من تاب إليه من عباده فأقلع عن الإثم والظلم ورجع إلى جادة الحق، والله عليم بأفعال عباده الظاهرة والباطنة، حكيم في أقواله وأفعاله وتقديره وتشريعه.
أخرج الترمذي بسند صحيح عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدمَ إنك ما دَعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي. يا ابن آدم لو بلغت ذنوبُك عَنَان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشْرك بي شيئًا لأتيتُك بقُرابِها مَغْفِرَة] (١).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله - ﷺ - قال: [لو يعلمُ المؤمن ما عنْدَ الله من العقوبة، ما طَمِعَ بجنته أحدٌ، ولو يعلم الكافر ما عِنْدَ الله من الرحمة، ما قَنِطَ من جَنَّتِهِ أحدٌ] (٢).
١٦ - ٢٢. قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٦) مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٧٥٥) - كتاب التوبة - باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها تغلب غضبه، وأخرجه الترمذي (٣٧٩١) في السنن، وانظر صحيح سنن الترمذي - حديث (٢٨٠٧).