أشرف المساجد في الأرض، الذي بني من أول يوم على عبادة الله وحده، لا شريك له، وأسسه خليل الرحمن).
قال في "البصائر": (- يعمر -: إما من العمارة التي هي حفظ البناء، أو من العمرة التي هي الزيارة، أو من قولهم: عمرت بمكان كذا أي أقمت به).
قال السدي: (﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ قال: يقول: ما كان ينبغي لهم أن يعمروها، ﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْر﴾، قال: النصراني يقال له: ما أنت؟ فيقول: نصراني، واليهودي يقال له: ما أنت؟ فيقول: يهودي، والصابئ يقال له: ما أنت؟ فيقول: صابئ).
والخلاصة: لا يوصف المشركون بعمارة المساجد، وما ينبغي لهم لا ببنائها خالصة لوجه الله تعالى، ولا بعمارتها وارتيادها لعبادته جل ثناؤه، هذا وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر، أي: بحالهم وقَالِهم.
وهؤلاء ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾، أي: بطلت وذهبت أجورها إذ لم تكن لله بل للرياء والمصلحة والكذب والنفاق والشيطان ﴿وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾، أي: ماكثون فيها أبدًا، لا أحياءً ولا أمواتًا.
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إن الله لا يظلم مُؤْمِنًا حَسَنَة، يُعطِي بها في الدنيا ويَجْزي بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكنْ له حسنةٌ يُجْزَى بها] (١).
وفي رواية: [إن الكافر إذا عمل حسنةً أُطْعِمَ بها طُعْمَةً من الدنيا، وأما المؤمِنُ فإن الله يَدَّخِرُ له حسناتِهِ في الآخرة ويُعْقِبُهُ رِزقًا في الدنيا على طاعته].
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾.
قال ابن عباس (﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾، يقول: مَن وحَّد الله، وآمن باليوم الآخر. يقول: أَقَرَّ بما أنزل الله، ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ﴾، يعني

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٨٠٨) - كتاب صفات المنافقين - باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة، وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا. وانظر ما بعده في الباب.


الصفحة التالية
Icon