أو آباء، ما داموا استحبوا الكفر على الإيمان، وتوعَّدَ سبحانه من يتخذهم بطانة من دون المؤمنين، أو يؤثِرُ المقام معهم على الهجرة إلى رسول الله - ﷺ - أو دار الإِسلام بأنه منهم، وبأنهم بفعلهم ذلك مخالفون لأمر الله وظالمون لأنفسهم.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.
يتوعد سبحانه من آثر أهله وقرابته - من أب أو ابن أو أخ أو زوجة أو عشيرة - أو مال أو تجارة أو مسكن أو غير ذلك من متاع الحياة الدنيا على محبة الله تعالى ورسوله - ﷺ -، والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته، بنزول نقمته وسخطه وغضبه، والله لا يهدي من خرج عن منهاجه وآثر هواه.
قال ابن جرير: (﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾، يقول: اكتسبتموها، ﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾ بفراقكم بلدكم، ﴿وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾، فسكنتموها).
وقال القرطبي: (﴿وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾ يقول: ومنازل تعجبكم الإقامة فيها. ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ﴾ من أن تهاجروا إلى الله ورسوله بالمدينة).
قلت: والآية تعم كل زمان ومكان، وقوله: ﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ تهديد قائم لكل من آثر الحياة الدنيا وزينتها، وتعني: "فانتظروا وارتقبوا" نزول النكال من الله والعذاب.
وقد حفلت السنة الصحيحة بكنوز من الخير وجوامع الكلم في آفاق هذا المعنى، ومن ذلك:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: [لا يؤمن أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين] (١).
وفي لفظ آخر من حديث أبي هريرة: [والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده].
الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد والبخاري عن عبد الله بن هشام قال: [كنا مع

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه - حديث رقم - (١٥) - كتاب الإيمان - باب حب الرسول الله - ﷺ - من الإيمان، وانظر - حديث رقم - (١٤) للفظ بعده، وأخرجه مسلم في الصحيح (٤٤)، وأحمد في المسند (٣/ ١٧٧)، والنسائي (٨/ ١١٤) وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon