واحتجوا بما أخرج البخاري عن عبد الرحمن بن عوف: [أن رسول الله - ﷺ - أخذها من مَجُوس هجَرَ] (١).
ولا شك أن في أخذها من أهل الكتاب إشعارًا لهم أنهم تحت هيمنة دَوْلة الإِسلام وسلطة الحق، ومن ثمَّ فإنه يَحْظُرُ عليهم نشر الفساد أو المنكرات في بلاد المسلمين.
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال: [لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتُم أحدَهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه] (٢).
وقوله: ﴿عَنْ يَدٍ﴾. قال ابن عباس: (يدفعه بنفسه غير مستنيب فيها أحدًا).
وقال قتادة: (عن قهر)، وهو الأصح، فالمراد عن قهر لهم وغلبة، ولذلك قال بعدها ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾، أي: ذليلون مهانون.
ولهذا يذكر هنا الفقهاء ما اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من شروط فيها تحجيم أمرهم ومحاصرة انتشار فسادهم بالتصغير والإذلال.
ففي رواية الأئمة الحفاظ من طريق عبد الرحمن بن غَنَم الأشعري قال: (كتبتُ لعمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - حين صالح نصارى من أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا، وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا ألا نحْدِث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرًا ولا كنيسة، ولا قَلايَة ولا صومعة راهب، ولا نجدِّد ما خَرِبَ منها، ولا نحيي منها ما كان خِطَط المسلمين، وألا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، وأن ينزل من مَرَّ بنا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم، ولا نُؤْوِي في كنائسنا ولا منازلنا جاسُوسًا، ولا نَكْتُم غشًا للمسلمين، ولا نُعَلِّم أَوْلادَنا القرآن، ولا نُظْهِرُ شركًا، ولا ندعو إليه أحد، ولا نمنع أحدًا من ذوي قرابتنا الدخول في الإِسلام إن أرادوه، وأن نوقِّر المسلمين، وأن نَقُوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس، ولا نتشَبَّه بهم في شيء من ملابسهم، في قلنسوة، ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٢١٦٧)، وأحمد في المسند (٨٥٤٢)، (٩٨٨١)، وأبو داود في السنن (٥٢٠٥)، وغيرهم.