وقوله: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾، أي: احذروا ارتكاب المعاصي والآثام في هذه الأشهر الأربعة المحرمة بشكل خاص، فإن الإثم فيها أشد وأكبر، كما أن المعاصي في البلد الحرام أبلغ في الإثم.
كما قال تعالى في سورة الحج: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥].
وبنحو ذلك جاءت أقوال المفسرين:
١ - قال ابن عباس: (﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾، في كلِّهن. ثم خصَّ من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حُرُمًا، وعظَّمَ حُرُماتهن، وجعل الذنْب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم).
٢ - قال قتادة: (أما قوله: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾، فإن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووِزْرًا، من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظِّم من أمره ما شاء.
وقال: إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رُسلًا، ومن الناس رسلًا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضانَ والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فَعَظِّموا ما عظَّم الله، فإنما تعظم الأمور بما عظَّمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل).
٣ - قال الحسن: ("ظلم أنفسكم"، أن لا تحرموهن كحرمتهن).
٤ - وقال محمد بن إسحاق: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾، أي: لا تجعلوا حرامها حلالًا، ولا حلالها حرامًا، كما فعل أهل الشرك، فـ ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ﴾ الذي كانوا يصنعون من ذلك، ﴿زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لآية). وهو اختيار ابن جرير.
وقوله: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾.
قال السدي: (أم ﴿كَافَّةً﴾، فجميع، وأمركم مجتمع).
وعن ابن عباس: (﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾، يقول: جميعًا).