هذه الدنيا الفانية، من نعيم الآخرة الباقية، فما بقاء هذه الدنيا ولذاتها إلا قليل.
إنكم إن تتقاعسوا عن النفير، ينزل بكم العذاب ويأتي الله بالبديل، من قوم يحبون نصرة دينه، والموت في سبيله، وما أنتم بترككم الجهاد بضارِّيه - تعالى - شيئًا، والله على كل شيء قدير.
فقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾.
قال مجاهد: (أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح، وبعد الطائف، وبعد حنين. أمروا بالنّفير في الصيف، حين خُرِفَت النخل، وطابت الثمار، واشتَهُوا الظلال، وشقَّ عليهم المخرج).
وقوله: ﴿اثَّاقَلْتُمْ﴾. من الثقل. أي تثاقلتم عن الجهاد إلى لزوم الديار والأرض والاستئناس بالجلوس فيها. ﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ﴾، أي: هل رصْيتم بحظ هذه الدنيا الفانية من نعيم الآخرة والخلود في جنات الإقامة والسرور الذي لا ينقطع.
وقوله: ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾.
أي: فما دوام لذات هذه الدنيا وزينتها وبهجتها إلا قليل زائل متغير بالنسبة لدوام نعيم الآخرة والخلود في روضاتها وملذاتها.
وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن إسماعيل بن أبي خالد قال: حدّثنا قيسٌ قال: سمعت مُسْتَوْرِدًا أخا بني فِهْرٍ يقول: قال رسول الله - ﷺ -: [والله! ما الدنيا في الآخرة إلا مِثْلُ ما يَجْعَلُ أحدُكُمْ إصْبَعَه (١) هذه في اليَمّ، فلينظرْ أحدُكُم بِمَ تَرْجِعُ؟ ] (٢).
الحديث الثاني: أخرج الترمذي بسند صحيح لغيره عن سهل بن سعد قال: قال

(١) وأشار يحيى بن سعيد - أحد الرواة - بالسّبابة.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٨٥٨) - كتاب الجنة ونعيمها -. وأخرجه أحمد (٤/ ٢٢٨ - ٢٢٩).


الصفحة التالية
Icon